الأحد، 17 مايو 2015

قصة قصيرة أنين الأرض بقلم رشيد شرشاف

قصة قصيرة أنين الأرض بقلم رشيد شرشاف
الإهداء:إلى أولائك الذين سقوا الأرض بدمائهم كي يطرح حرثها يوما حقا مشروعا و سلاما
وحيدا كنت في الغرفة أو مع بعض من أقربائك،ستجلس في أحد المساءات الباردة أمام شاشة التلفزة ،تستمع لنشرة الأخبار،وأنت ترتعد من البرد أو من هول الأحداث.ستستمع لأخبار حروب تقع في أماكن مختلفة من العالم،وستئن و تتألم لمجرد معرفتك بأن هناك ضحايا أبرياء يموتون من دون أي سبب ،سوى لأن القدر جعلهم محاصرين في منطقة الصراع.
ستتناهى إلى سمعك من حين إلى آخر،أخبار أناس يشتركون معك في الدين و اللغة و التاريخ،يتعذبون و يتألمون،و لكن ما من مغيث.ستتوه و تحتار و يحاصرك ألف سؤال و سؤال،لينقذك في الأخير صوت المذيع المنبعث من التلفزة،وهو يقول في غموض:وقد أظهرت آخر الأنباء أن الوضع ما زال كما هو عليه .ستتساءل فيما بينك وبين نفسك عن هذا الوضع الذي يتحدثون عنه ،وسيجيبك المذيع بابتسامة كبيرة:و لقد جاءنا خبر مستعجل اللحظة من مراسلنا الصحفي يقول بأنه قد سُمعت طلقات نارية في البلد المسلم المغتصب الذي يوجد به ،أحدثت ضجة بين سكانه،وجعلت عويل نسائه يختلط بعويل سيارات الإسعاف التي غمرته من كل جانب ،وهذه صور من منطقة الأحداث.
وتظهر على الشاشة صور غريبة تعجز لغة الكلام عن التعبير عنها ،تخط حكاية حبرها دموع شيوخ ويتامى وثكالى إنفجرت لتبحث لأحداثها عن مستقر .تتسرب إلى قلبك العطوف فتود لو تنفجر بالبكاء ،أو تبتلعك الأرض إلى غير رجعة،لكنك تتمالك نفسك و تصيح في ألم حقيقي:أين إتحادكم يا مسلمين ؟أين عزتكم يا عرب؟أينكم يا من بيدهم الأمر؟فلا تجد من مجيب!
تضيق بمن حولك وتضيق الغرفة بك، إذ تجثم مشاكل قومك و أمتك على صدرك ،فتذهب إلى الخارج متسكعا تبحث لهم عن حل.
تنتقل من شارع إلى شارع و تتوه بين الدروب ،وفي الأخير تصل إلى مقهى تجلس فيه.تنتظر إبتسامة النادل..وحين يحضر ويسألك عن طلبك تقول له راجيا:أريد لقومي عزة و سلاما.فينظر إليك باستغراب ويعيد طرح سؤاله عليك،لكنك تظل على نفس قولك،فيطردك من المقهى وهو يضرب كفا على كف ويغمغم:ربنا إحفظنا وذرياتنا من هوس المجانين،ثم ينصرف إلى تلبية باقي الطلبات.
وتظل أنت وحدك منبوذا في الشارع لا حول لك ولا قوة،تنتظر من يحقق لك مطلبك،ويجيبك عن تساؤلاتك ،فلا تسمع غير صوت الريح،فتتحرك من مكانك إلى جهة لا تعلمها.تضع كفيك في جيبي سروالك،وتسير بخطى سريعة كي تدفئ جسمك،وعندما تصل إلى مكان عاج بالناس،وتراهم يسيرون في كل اتجاه،تتوقف أنت،وتستجمع قواك،وتصيح بأعلى صوتك:يا قوم لم هذا الإختلاف في المسير..هيا نتخذ طريقا واحدا نسلكه يكون فيه اتحادنا و قوتنا.فينفجر الجميع بالضحك ويتابعون مسيرهم،ولا يبقى منهم غير شخص واحد يأخذك جانبا و يقول لك :يا بني كيف نسلك طريقا واحدا ولكلٍ منا طريقه؟تصمت أنت من هول المفاجأة كأنك لم تتوقع مثل هذا الجواب.
وتغيب في بحر الذكريات فتتداعى أمامك أيام مجد قومك الغابرة،وأحلام ماضيها في أن تكون نبراسا منيرا لباقي الأمم ،وتستفيق فجأة على إرتطام كأس فارغة أمام قدميك ،فتجد الرجل قد إنصرف،وأمام عينيك مباشرة حانة عاجة بالناس ،منها إنطلق الكأس .لا تسمع منهم تأسفا ولا إعتذرا..
ينتتابك غضب شديد ،لكنك ستكتمه في صدرك،وتحاول أن تبتعد كثيرا عن هذا المكان،وعن أي مكان قبل أن تصاب بالجنون والغثيان،فتستسلم أنت للهزيمة ويستسلم الآخرون،ولا تبقى غير الأرض ترى حال بنيها وتتألم،وتبكي على مجدهم الضائع

ليست هناك تعليقات: