السبت، 12 مارس 2016

قصة قصيرة الغريب

قصة قصيرة           الغريب            بقلم رشيد شرشاف

رنّ جرس الباب،بدون شعور مددت يدي لإغلاق جرس المنبه على الكومودينو.لم ينقطع الرنين.تنبهت ونظرت إلى الساعة بانزعاج.ياترى من الطارق؟تململت بإرهاق.غسلت وجهي بسرعة.بقايا عشاء البارحة ما زال فوق السُّفرة.لعنت فيما بيني وبين نفسي أم الأولاد التي فارقت الدار بسبب سوء تسييري لمصاريف البيت ويدي المثقوبة على حد قولها.
فتحت الباب.في مواجهتي رجل عشريني،أنيق الهندام،أبيض البشرة،أحمر الأذنين،يحمل بين يديه حذاءه الأنيق وينظر في ٱرتباك إلى الأرض.إندهشت أن رأيته حافي القدمين،ولم تخطئ عيني رؤية آثار التعب البادية على وجهه،ولا إنحناء ظهره رغم طوله الفارع.
رفع رأسه بخجل ،ولمعت عينه للحظة، وقال بتأتأة واضحة:
ـ عذرا على الإزعاج ،هل لي بطلب صغير؟
قلت باندهاش حقيقي:
ـ بالطبع.. على الرحب والسعة ،لكن هلاّ ارتديت حذاءك أولا؟..
قال وهو لا زال يحمل حذاءه بيديه:
ـ حسنا..لم أكن أعتقد أنه سيأتي يوم أتعرض فيه لمثل هذا الموقف،أنا باختصار من أسرة ميسورة الحال،أعمل موظفا بأحد الشركات،كنت في رحلة عمل لكنني تعرضت للسرقة هذا الصباح..ما أحتاجه هو بعض المال مقابل حذائي لأستطيع العودة إلى حال سبيلي..
إخترقت كلماته أذني كمدفع رشاش،فتجمدت مفاصلي و أفكاري للحظة.تعاطف واستنكار كبَّلا مشاعري واستوطنا قلبي المتألم.هبّة ريح مفاجئة أيقظت أحاسيسي وانتشلتني من هول الصدمة.نظرت إليه مليا فتؤكد لي هول الموقف الذي هو فيه.هذا ما يجنيه اللصوص على الأبرياء،إنه البحث السريع عن الربح دون النظر إلى الوسائل المتبعة.
أشفقت عليه ورجوته من كل قلبي أن يرتدي حذاءه ويتفضل بالدخول لمشاركتي فطوري وليفعل الله بعد ذلك ما يشاء ،لكنه أبَى بكل أدب،وأكّد لي أنه لن يستطيع التأخّر أكثر عن مستلزمات الشركة التي يعمل بها .
ٱحترمت موقفه وازداد شأنه علوا في نظري.طلبت منه الإنتظار لبضع دقائق. توجهت إلى معطفي وأخذت ما تيسّر من المال من محفظة نقودي يكفي لإنقاذ هذا المسكين من ورطته، وعدت إليه فوجدته ينظر بانكسار إلى الأرض.
قلت له مطمئنا:
ـ أرجو أن تتقبّل مني هذا القسط من المال إنه يكفي لعودتك إلى أهلك سالما وزيادة..
صافحني بحرارة ،وشكرني،وتمنى لي يوما سعيدا،ثم ذهب فرحا مسرورا.
دخلت غرفتي.تمنيت لو كانت زوجتي حاضرة لترى نبل صنيعي.ما بالمال نجني السعادة، بل بالخير نزرع الفرحة والبسمة في نفوس المحتاجين،هذا هو شعاري في الحياة.
دخلت غرفة نومي وفتحت النافذة المطلة على حديقة بيتي.زقزقة الطيور تدغدغ سمعي.نسيم عليل يخترق مسام وجهي.من بعيد أرى صاحب الحذاء يمشي منتصب القامة فرحا.أشعر بالنشوة والإعتزاز.ينعطف فجأة خلف أحد الأشجار،يفرك أذنيه بسرعة إلى أن تحمرّ.يحني ظهره قليلا كعجوز،ويخلع حذاءه وينظر بانكسار إلى الأرض،ثم يتقدم بسرعة إلى باب جاري البعيد ويدق الباب ،فتحمرّ أذني بسرعة من شدّة الغضب..