الاثنين، 22 يونيو 2015

سفر أيوب..... بدر شاكر السياب

سفر أيوب..... بدر شاكر السياب 



لك الحمد مهما استطال البلاء

ومهما استبدّ الألم

لك الحمد، إن الرزايا عطاء

وإن المصيبات بعض الكرم

ألم تُعطني أنت هذا الظلام

وأعطيتني أنت هذا السّحر؟

فهل تشكر الأرض قطر المطر

وتغضب إن لم يجدها الغمام؟

*****

شهور طوال وهذي الجراح

تمزّق جنبي مثل المدى

ولا يهدأ الداء عند الصباح

ولا يمسح اللّيل أوجاعه بالردى

ولكنّ أيّوب إن صاح صاح:

لك الحمد، إن الرزايا ندى

وإنّ الجراح هدايا الحبيب

أضمّ إلى الصّدر باقاتها

هداياك في خافقي لا تغيب

هداياك مقبولة. هاتها

*****

أشد جراحي وأهتف

بالعائدين:

ألا فانظروا واحسدوني

فهذى هدايا حبيبي

جميل هو السّهدُ أرعى سماك

بعينيّ حتى تغيب النجوم

ويلمس شبّاك داري سناك

جميل هو الليل أصداء يوم

وأبواق سيارة من بعيد

وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد

أساطير آبائها للوليد

وغابات ليل السُّهاد الغيوم

تحجّبُ وجه السماء

وتجلوه تحت القمر

وإن صاح أيوب كان النداء:

لك الحمد يا رامياً بالقدر

ويا كاتباً، بعد ذاك، الشّفاء
بدر شاكر السياب

لندن
26/12/1962

أنشودة المطر....بدر شاكر السياب

أنشودة المطر....بدر شاكر السياب

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ ،
أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر .
عيناك حين تبسمان تورق الكرومْ
وترقص الأضواء ... كالأقمار في نهَرْ
يرجّه المجذاف وهْناً ساعة السَّحَر
كأنما تنبض في غوريهما ، النّجومْ ...
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ
كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساء ،
دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريف ،
والموت ، والميلاد ، والظلام ، والضياء ؛
فتستفيق ملء روحي ، رعشة البكاء
ونشوةٌ وحشيَّةٌ تعانق السماء
كنشوة الطفل إِذا خاف من القمر !
كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ
وقطرةً فقطرةً تذوب في المطر ...
وكركر الأطفالُ في عرائش الكروم ،
ودغدغت صمت العصافير على الشجر
أنشودةُ المطر ...
مطر ...
مطر ...
مطر ...
تثاءب المساء ، والغيومُ ما تزالْ
تسحُّ ما تسحّ من دموعها الثقالْ .
كأنِّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينام :
بأنَّ أمّه – التي أفاق منذ عامْ
فلم يجدها ، ثمَّ حين لجّ في السؤال
قالوا له : "بعد غدٍ تعودْ .. "
لا بدَّ أن تعودْ
وإِنْ تهامس الرفاق أنهَّا هناكْ
في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ
تسفّ من ترابها وتشرب المطر ؛
كأن صياداً حزيناً يجمع الشِّباك
ويلعن المياه والقَدَر
وينثر الغناء حيث يأفل القمرْ .
مطر ..
مطر ..
أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعث المطر ؟
وكيف تنشج المزاريب إِذا انهمر ؟
وكيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع ؟
بلا انتهاء – كالدَّم المراق ، كالجياع ،
كالحبّ ، كالأطفال ، كالموتى – هو المطر !
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ
سواحلَ العراق بالنجوم والمحار ،
كأنها تهمّ بالشروق
فيسحب الليل عليها من دمٍ دثارْ .
أَصيح بالخليج : " يا خليجْ
يا واهب اللؤلؤ ، والمحار ، والرّدى ! "
فيرجعُ الصّدى
كأنّه النشيجْ :
" يا خليج
يا واهب المحار والردى .. "
أكاد أسمع العراق يذْخرُ الرعودْ
ويخزن البروق في السّهول والجبالْ ،
حتى إِذا ما فضَّ عنها ختمها الرّجالْ
لم تترك الرياح من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ .
أكاد أسمع النخيل يشربُ المطر
وأسمع القرى تئنّ ، والمهاجرين
يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع ،
عواصف الخليج ، والرعود ، منشدين :
" مطر ...
مطر ...
مطر ...
وفي العراق جوعْ
وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ
لتشبع الغربان والجراد
وتطحن الشّوان والحجر
رحىً تدور في الحقول ... حولها بشرْ
مطر ...
مطر ...
مطر ...
وكم ذرفنا ليلة الرحيل ، من دموعْ
ثم اعتللنا – خوف أن نلامَ – بالمطر ...
مطر ...
مطر ...
ومنذ أنْ كنَّا صغاراً ، كانت السماء
تغيمُ في الشتاء
ويهطل المطر ،
وكلَّ عام – حين يعشب الثرى – نجوعْ
ما مرَّ عامٌ والعراق ليس فيه جوعْ .
مطر ...
مطر ...
مطر ...
في كل قطرة من المطر
حمراءُ أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ .
وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراة
وكلّ قطرة تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسم جديد
أو حُلمةٌ تورَّدتْ على فم الوليدْ
في عالم الغد الفتيّ ، واهب الحياة !
مطر ...
مطر ...
مطر ...
سيُعشبُ العراق بالمطر ... "
أصيح بالخليج : " يا خليج ..
يا واهب اللؤلؤ ، والمحار ، والردى ! "
فيرجع الصدى
كأنَّه النشيج :
" يا خليج
يا واهب المحار والردى . "
وينثر الخليج من هِباته الكثارْ ،
على الرمال ، : رغوه الأُجاجَ ، والمحار
وما تبقّى من عظام بائسٍ غريق
من المهاجرين ظلّ يشرب الردى
من لجَّة الخليج والقرار ،
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرَّحيقْ
من زهرة يربُّها الفرات بالنَّدى .
وأسمع الصدى
يرنّ في الخليج
" مطر ..
مطر ..
مطر ..
في كلّ قطرة من المطرْ
حمراء أو صفراء من أجنَّةِ الزَّهَرْ .
وكلّ دمعة من الجياع والعراة
وكلّ قطرةٍ تراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديد
أو حُلمةٌ تورَّدت على فم الوليدْ
في عالم الغد الفتيّ ، واهب الحياة . "
ويهطل المطرْ ..

السبت، 20 يونيو 2015

قصة قصيرة : على أوتار الجرح بقلم : رشيد شرشاف

قصة قصيرة : على أوتار الجرح بقلم : رشيد شرشاف


وحين رأيتك جالسة وحيدة في تلك المقهى،واضعة
رجلا على رجل،ملابسك أنيقة كالعادة،ومحفظتك
الجلدية معلقة على الكرسي،ووجهك الطفولي الجميل
المختبئ تحت المساحيق يتحدى الجالسين أمامك
بجرأة سافرة ، تذكرتك فخفق القلب بسرعة دون
وعي منه وٱرتعش و سرى في جسدي حزن عتيق.
كنت حينها واقفا أمام متجر الملابس أتابع إبني الصغير
ذو الخمس سنوات و زوجتي الحنون التي تحاول أن تلبسه
ملابس جديدة وهو يتمنع،تربث على رأسه و تلاطفه
و تتسع إبتسامتها كلما إلتقت نظراتها بنظراتي.
ينبوع حب يسري بيننا وإطمئنان و سعادة تلف قلبينا
و ألفة و قناعة تثبت أقدامنا . أكان هذا صعبا عليك ؟
هل صعب حقا أن تكوني أما ؟
تذكرين أيام خطوبتنا عند أول شجار بيننا ، كان الجو ربيعيا و كنا نتمشى
الهوينى وكنا نبني الآمال نرصفها ،ونستبق الأيام
و نطلبها .حدثتك عن طفولتي و عن أشيائي التي أحبها
و عن أفكاري و طموحاتي.كنت فرحا بقربك و بعشقك.
و رأيتك تبتسمين و عيناك تتسعتان و تتغنجان . لم
أعرف لم إلتفت يساري و رأيت ذلك الشاب الراكب
السيارة الرياضية يحاورك خلسة و يغازلك و أنا
كالأحمق أعبر عن مشاعري تجاهك و أعبر و أعبر
و أعبر.
جرح قلبي كان بليغا لكنني سامحتك . غرتني دموعك
الطفولية وقلت : غلطة لن تتكرر .ما زلت صغيرة على
الحب .الحب أخذ و عطاء .الحب لا يقدر بثمن .
صحتِ : أريد أن أعيش حياة رغدة .أن أعيش شبابي .
أن أرى ما لم تره عين و ما لم تسمع عنه أذن.
أنتَ بعيد كل البعد عن هذا.الحب ليس مشاعر و تضحيات فقط.
صدمتني أقوالك و قلت : لا بد أن يأتي يوم تشعرين فيه
بالخطإ وتتغيرين. لكنك لم تتغيري.
و تركتك و قلبي يئن من شدة الوجع .أرتجف كعصفور
صغير في يوم ممطر ،رمته الرياح في ركن قصي، ليس
بينه وبين باب الرحمة إلا ما قدر الله.وقفت مشدوها.
كلماتك أدخلتني في عالم آخر لم أعلم يوما بوجوده .
أ تراني أنا المخطئ ؟ هل زمن الحب العفيف قد ولى و فات ؟
هل بناء عش الزوجية يتم لبنة لبنة و جدارا جدارا ،
أم يظهر فجأة كقصور ألف ليلة و ليلة ؟
حيرني صدك و تعاليك؛ لكن باب الرحمة فُتح و ظهرت
شريكة عمري .قالت : أنتَ ونيسي و سندي .أهب
عمري كله لك .أنتَ نور عيني وسراجيَ المنير أينما ذهبت.
إنتشلتني من براثن حبك و علمتني كيف يكون الحب .
الآن ها أنت أمامي .خلف زجاج نافذة المقهى أرى عيناك
الزجاجيتين تتراقصان في محجريهما.تنظران هنا و هناك
و تبتسمان .إبتسامات بالجملة لكنهما لا يستقران أبدا.
عمّ تبحثين؟ عن المال؟ عن الحب؟ أبدا لن تجديه.
يديك النحيلتان على الطاولة ترتعشان.أنا أعلم ذلك.
وراء هذه العيون قلب يرتعش.كبد يئن.روح تتأوه.
ضعي الأقراط في أذنيك، و زيني عنقك بسلاسل الذهب،
لكن خاتم الحب لن يدخل أصبعك .
إبتسمت مساحيق وجهك للنادل فأتى مبتسما.سألته
عن شيء ما فهز رأسه بعلامة الإيجاب وذهب مسرعا.
الموائد منتشرة أمامك، و مرة بعد مرة وشوشات
و همسات وضحكات مكتومة تخترق أذناك ،والعيون
تسترق النظرات و تختبئ وراء زيف التحضر .كل شيء مزيف.
الكلام بحساب والضحك بحساب والنظر بحساب
حتى الهواء المكيف بحساب.
يعود النادل بعد قليل .يقدم لك طعامك الفاخر،ويهمس
في أذنك ألاّ حبيب حضر.تنكسر نظراتك ،وتلألأ دموعك
فتسيل خيطا رفيعا على كتلة المساحيق.
تنظرين خارج زجاج النافذة لتهربي من واقعك الأليم.
تري عالما غير العالم الذي أنت فيه .
تلتقي نظراتنا .أشيح بوجهي عنك ،و أحتضن بعيني زوجتي.
تخترق أذني صيحات إبني الصغير فرحا.
يجري أمامنا سعيدا.فاتحا ذراعيه معانقا الريح.
أتظاهر بمحاولة الإمساك به فيفر فأضحك أنا ملء أذناي.
أتوجه إليه و أرفعه عاليا و أضعه بين كتفي .
أمسك ساقه بيدي اليمنى ويد زوجتي بيدي اليسرى.
نسير معا بخطوات رشيقة و قوية تهز الدنيا و ما فيها...

تمت بحمد الله يوم:02.06.2015

السبت، 13 يونيو 2015

قصة قصيرة: لعبة البيت --- يوسف إدريس

 قصة قصيرة للكاتب الكبير د. يوسف إدريس من مجموعته " آخر الدنيا ".
من طبعة دار الشروق 1991 للأعمال الكاملة ليوسف إدريس
 قصة قصيرة: لعبة البيت --- يوسف إدريس
 شب سامح على أطراف أصابعه و نط و دق الجرس ، و سمع صوتا طويلا ممدودا يقول : مين ؟ فاحتار و خاف و سكت.
و فتح الباب ، و وقفت على عتبته سيدة ضخمة مهيبة ترتدى قميص نوم خفيف جدا ، لونه أصفر باهت كقشر الليمون، و وجم سامح و كاد يجرى ، و لكنه تماسك و عرف أن التى فتحت هى أم فاتن ، رغم وجهها الخالى من المساحيق.
و قبل أن يحدث أى شيىء ابتسمت له السيدة ابتسامة كبيرة ، و انحنت ناحيته و قالت :
 يه .. هو أنت يا حبيبى ؟! .. أنا رخره بقول مين اللى بيضرب الجرس ده و مالوش خيال .. عايز أيه يا حبيبى ؟ عايز الهون .. ماما بتعمل كفتة؟
و لم يجب سامح فى الحال .. مد بصره من خلال وقفة الأم العريضة و قميصها الشفاف و ما بقى فى الباب من فراغ ، محاولا أن يرى فاتن .. و لكن لم يجد لها أثرا ، لا فى الصالة و لا فى الحجرة القريبة المواربة للباب ، و لا بجوار الراديو تعبث بمفاتيحه ..
و قال بجرأة منقطعة :
- عايز .. عايز فاتن تلعب معايا ..
و ضحكت الأم و انحنت و قبلته و قالت :
- كده ؟ طيب حاضر يا حبيبى ..
و انبسط سامح ، و انبسط أكثر حين التفتت إلى الخلف و نادت :
- فاتن . سيبى الغسيل أحسن تبلى هدومك .. و تعالى .. عشان تلعبى مع ابن أم سامح ..
ثم التفتت إلى سامح قائلة :
- بس أوعى تزعلها يا حبيبى .. لحسن ماخليهاش تلعب معاك بعد كده أبدا ..
و قال سامح بحماس وعيون ذكية صغيرة تبرق :
- إن زعلتها يا تانت ما تخليهاش تلعب معايا تانى ..
فقالت أم فاتن و هى تتركه و تستدير :
- و ما نتساش تسلم لى على مامتك و تقول لها ما بتزرناش ليه؟
ثم دخلت السيدة إلى الحمام وهى تهتز و تتدحرج ..
و وقف سامح يترقب ظهور فاتن و يتأمل الصالة ، كان فيها طرابيزة سفرة مثل صالتهم ، غير أن كراسيها قديمة موضوعة فوق الطرابيزة.
و كان هناك كرسى غريب الشكل مسنده عال جدا يحتاج إلى سلم للصعود عليه ، و الكرسى ترقد فوقه قطة ذات ألوان جميلة : ملفوفة على نفسها و نعسانة.
و ظهرت فاتن فجاة و كأنما خرجت من تحت الأرض ، ترتدى فستانها الأبيض القصير الذى يرتفع ذيله عن الركبة ، و توجهت إلى التسريحة الموضوعة فى الصالة و انحشرت بينها و بين الحائط ، ثم أخرجت سبتا صغيرا مثل الأسبتة التى يباع فيها حب العزيز غير أنه مصنوع من البوص ، و علقت السبت فى يدها و اتجهت إلى الباب حيث يقف سامح ، و ابتسم لها سامح و سار فى اتجاه السلم و تبعته فاتن.
و فى منتصف السلم قال لها فجأة :
ـ إذا كنت جدعة امسكينى قبل ما أوصل باب شقتنا.
و جرى أمامها فوق الدرجات ، و لكنه حين لم يسمعها تجرى خلفه توقف و قال :
- أخيه عليكى .. مش قادرة تجرى ورايا يا خايبه ..
فقالت و فى ملامحها ثبات و تأفف و رزانة :
- أنا مبحبش الجرى ده ..
و تضايق سامح قليلا من تأففها ، و وقف ينتظرها وهو معلق بدرابزين السلم و نصفه خارج عنه.
و دخلا الشقة من بابها المفتوح ، و تأكد سامح أن أمه مشغولة فى المطبخ إذ كانت لا ترحب أبدا بإحضاره فاتن ليلعب معها.
و عبر سامح الصالة و فاتن وراءه و عيناها لا تغادران السبت المعلق فى يدها.
و أصبحا فى الحجرة الداخلية ذات السرير الحديدى القديم و الدولاب و الكنبة.
و قال سامح و هو يهلل و يشير إلى ما تحت السرير :
- أهو ده بيتنا .. أهو ده بيتنا .. يالله بقى نعمل بيت ..
و رفع داير السرير الأبيض الذى يحيط به من من كل الجهات و دخل تحت السرير و دخلت فاتن وراءه .. و بينما بقيت هى على رزانتها بدأ سامح يصنع زيطة كبيرة و يصرخ و يدور و يهلل ، ثم أخذها إلى ركن السرير الداخلى حيث صندوق الشاى القديم الذى يحتى على كل ممتلكاته و ألعابه الخاصة .. مجموعة كبيرة من علب السجائر الفارغة ، و أغطية الكازوزة ، و أرجل كراسى مصنوعة بالمخرطة ، و علب تونة و سالمون بمفاتيحها ، و قطع صغيرة كثيرة من أقمشة جديدة متعددة الألوان سرقها من درج ماكنة الخياطة ، و جرّ الصندوق و أخذ يستخرج محتوياته و يفرج فاتن عليها .. و بدأت الرزانة تغادر فاتن فجلست على الأرض و تربعت ، و أخذت تخرج من سبتها لعبها هى الأخرى و ممتلكاتها و تفرجه عليها ..
و فى هذه المرة أعجب سامح بالحلة الألومنيوم الصغيرة ، و الوابور البريموس الصغير و طرابيزة المطبخ التى فى حجم علبة الكبريت ، و استكثر على فاتن أن تكون هى مالكة هذه اللعب الجميلة كلها ..ثم انتابته الخفة و الحماسة فقام و أخذ ثلاثة ألواح خشبية كانت ساقطة من "الملة القديمة" و مضى يضعها على حدها و يقسم بها ما تحت السرير إلى أقسام و يقول :
- دى أوضة السفرة .. و دى أوضة النوم .. و ده المطبخ. و بدأت فاتن تنقل أشياءها إلى المطبخ ، و وضعت الطرابيزة فى ركن و وضعت فوقها الوابور ، ثم وضعت الحلة فوقه و قالت :
- أحنا تأخرنا قوى .. نطبخ أيه النهارده ؟!
فقال سامح فى حماس :
- نطبخ رز.. يالله نطبخ رز ..
و ما لبث أن غادر تحت السرير فى الحال و جرى إلى المطبخ حيث أدعى لأمه أنه يبحث عن كرته المفقودة فى الدولاب و عاد و قبضته الصغيرة مضمومة و موضوعة فى جيب بنطلونه ، و حين أصبح تحت السرير فتحها و وضع محتوياتها من حبات الأرز القليلة فى الحلة.
و قالت فاتن و هى تتنهد :
- أنت تروح الشغل و أنا أطبخ ..
فقال سامح :
- أروح الشغل أزاى ؟
 فقالت :
- مش أنت تروح الشغل.. و أنا أطبخ ؟
فقال :
- ااييه .. أنتى عايزة تلعبى لوحدك .. يا نطبخ سوا سوا يا بلاش
فقالت فاتن :
- لا يا سيدى .. هيا الرجالة تطبخ ؟ .. أنت تروح الشغل و أنا أطبخ .. يا كده يا بلاش ..
فقال سامح :
 - دى بواخة منك دى .. عايزة تطبخى لوحدك و تقوليلى روح الشغل ؟ . و الله مانا رايح ..
و احتقن وجه فاتن غضبا و قالت :
- طب هه ..
و أنزلت الحلة من فوق الوابور و وضعتها فى السبت.
فقال سامح بغضب :
- هاتى الرز بتاعى .. هو بتاعك ؟
فأخرجت فاتن الحلة .. و قلبتها على الأرض .. و قالت :
- رزك أهه .. جك قرف.
و نشبت خناقة حادة .. و كل يحاول أن يجمع حوائجه ، هذه لى و ليست لك .. و شتمته و لعنت أباه ، و غضب سامح و دفعها فسقطت منها العروسة .. و أخيرا جمعت فاتن أشياءها و وضعتها كلها فى السبت الصغير ، و علقت السبت فى يدها و رفعت داير السرير و اختفت.
و اغتاظ سامح كثيرا و هو يراقبها ، و تمنى لو يلحقها قبل أن تغادر شقتهم و يضربها .. بنت مثلها صغيرة و مفعوصة تريد أن تمشى عليه كلمتها ، دائما تغيظه هكذا كلما لعب معها ، و كل مرة يلعب معها فيها يصمم على ألا يعود للعب معها .. فى المرة القادمة سيضربها بالقلم لو فتحت فمها .. و لكن لا .. لن تكون هناك مرة قادمة .. لن يلعب معها أبدا حتى لو أحضرتها أمها و رجته أن يلعب معها .. بنت مفعوصة ذات سن أمامية مكسورة تغضب لأتفه سبب ، و ما أسرع ما تعلق سبتها فى يدها و تتركه .. هى حرة ، و هو حتى ليس فى حاجة إليها ليلعب .. يستطيع أن يلعب وحده و لا الحوجة إليها ..
و هكذا بدأ سامح يحاول أن يلعب لعبة البيت وحده ، فراح يقيم الحواجز الخشبية التى هدمتها الخناقة ، و يكلم نفسه بصوت عال و كأنه يريد أن يقسم نفسه إلى قسمين أو شخصين يلعبان معا ، أحدهما يتكلم و الآخر يسمع ، و مضى يقول :
- و دى أوضة السفرة ، و ده المطبخ .. نطبخ أيه النهارده ؟
و أجاب على نفسه :
- رز .
و لكنه غير رأيه بسرعة و قال :
- لأ .. فاصوليا
و فكر أن يذهب و يسرق فاصوليا من المطبخ ، و لكنه لم يجد لديه حماسا كافيا لتنفيذ الفكرة .. كان قد بدأ يدرك أنه يضحك على نفسه حين يقسم نفسه قسمين يلعبان مع بعضهما .. و بدأ يتبين أنه يلعب وحده فعلا ، و بدا حينئذ كل شيىء ماسخا و قبيحا إلى درجة أنه لم يعد يصدق أن ما تحت السرير كما كان منذ دقائق مضت .. بدأ يرى الألواح الخشبية مجرد ألواح ، و الدواية التى كان ينوى استعمالها حلة مجرد علبة ورنيش فارغة ، لم يعد ما تحت السرير بيتا ، و لا عادت الألواح الخشبية حجرة نوم و جلوس و سفرة.
و اغتاظ سامح .. فمن دقائق قليلة و حين كانت فاتن تلعب معه كان يعتقد فعلا أن المطبخ مطبخ ، و الصالة صالة  ، و حجرة السفرة حجرة سفرة ، لماذا حين ذهبت و أصبح وحده بدأ يرى كل شيىء سخيفا تافها و كأن لعبة البيت لا تنفع إلا إذا لعبها مع الست فاتن ؟
و فى غمرة غيظه غادر ما تحت السرير ، بل غادر الحجرة كلها ، و مضى يلف فى الصالة يبحث لنفسه عن لعبة أخرى يتسلى بها ..
و فى درج مكتب أبيه عثر على حنفية قديمة ، استغرب كيف كانت موجودة طوال هذه المدة فى ذلك المكان و لم يعثر عليها سوى اليوم.
أخرج الحنفية و مضى يفتحها و يغلقها و ينفخ فيها ، و مضت فى ذهنه فكرة : لماذا لا يستعملانها هو و فاتن فى لعبتهما فيركبها فى رجل السرير و يصنع لها حجرة صغيرة و تكون هى الحمام ؟ ألا يصبح حينئذ كالبيوت الحقيقية ؟ و لكن .. لا .. إنه لن يلعب أبدا معها ، حتى و لو جاءت من تلقاء نفسها و حاولت تلعب معه .. سوف يقول لها بكل احتقار :
- جاية هنا ليه يا باردة ؟ .. روحى يالله على بيتكم ..
و طبعا هى قادمة عما قليل  ، فهى الأخرى لن تجد أحدا تلعب معه.
و انتظر سامح أن تأتى ، و لكنها لم تأت ، و تذكر حينئذ كيف كانت غلبانة و هى تنحنى و ترفع داير السرير و السبت معلق فى يدها .. كانت غلبانة صحيح . لماذا لا يذهب و يصالحها ؟ و ذهب إلى الباب و فتحه ، و تلفت هنا و هناك و لكن الطرقة كانت خالية و ليس فيها أحد ..
و عاد مغموما إلى الحجرة الداخلية ، و اتجه إلى السرير و نظر من الفرجة الكائنة بين الداير الأبيض و المرتبة .. بدا ما تحت السرير واسعا جدا و خرابا ، و الألواح الخشبية و لعبه و أشياؤه المبعثرة شكلها كئيب ، و ليس هناك أبدا أثر لذلك العالم الصغير الذى كان أحب إليه من كل عوالم الكبار و سيمائه و مباهجه.
و ترك الحجرة متضايقا و ظل يدورفى الصالة ، و فجأة أحس أنه ضاق ببيتهم كله و أنه يريد الخروج منه و الذهاب لأى مكان .. و هكذا وجد نفسه واقفا فى الطرقة خارج باب الشقة وحده ، أمه تناديه و هو يكذب و يقول أنه ذاهب ليلعب مع الأولاد فى الحارة.
و فى الطرقة بدأ يفكر .. لابد أن فاتن ذهبت إلى أمها باكية ، و لابد أن أمها أخذتها و أغلقت الباب و لن تسمح لها أبدا باللعب معه مرة أخرى .. أن أخوف ما يخافه لابد قد حدث .. ياله من غبى سخيف ! لماذا أغضبها ؟ لماذا لم يقل لها مثلا : أنا رايح الشغل أهه ، و يصل  لباب الحجرة مثلا ثم يعود و يقول لها : أنا رجعت م الشغل أهه. لماذا عاندها ؟ و ماذا يصنع الآن ؟
و هبط درجات السلم تائها ، محتارا ، مترددا بين أن يهبط و يحاول أن يجد طفلا من أولاد الحارة يلعب معه أسخف لعب ، فهو لا يريد إلا أن يلعب مع فاتن لعبة البيت بالذات ، و فاتن ذهبت إلى أمها و لن تعود أبدا ، أو أن يصعد و يدعى لأمه أنه سخن و مريض.
و حتى لم يجد فى نفسه أى رغبة أو حماس لكى يهبط أو يصعد أو يتحرك من مكانه أو أى شيىء. كل ما أصبح يتمناه من قلبه و هو يهبط درجة و يتوقف درجات أن تزل قدمه رغما عنه فيسقط و يتدحرج على السلم و يظل رأسه يتخبط بين الدرجات ، و كل خبطة تجرحه و تسيل دماءه.
و حين وصل فى هبوطه إلى باب شقة أم فاتن كان الباب مغلقا و مسدودا و كأن أصحابه سافروا أو عزلوا .. ألقى نظرة واحدة على الباب و لكنها جعلته يحس بالرغبة فى البكاء ، و يسرع بالهبوط.
و قبل أن ينتهى السلم عند آخر بسطة ، توقف حزينا حائرا ، و كأن شيئا ثمينا جدا قد ضاع منه ، و أخرج رأسه من درابزين السلم و تركه يتدلى فى يأس مع حديد الدرابزين .. و مضى يجلس على الأرض و يفرد ساقيه بلا أى اهتمام بملابسه أو بما يلحقها ، ثم يقف فجأة و قد قرر أن يكمل الهبوط و لكنه يجد نفسه قد عاد للجلوس و إدلاء رأسه من حديد الدرابزين، و كلما تذكر أنه لولا عناده لكانت فاتن لا تزال تلعب معه ، و كلما تصور أنه قد حرم اللعب معها إلى الأبد ، تمنى لو مرض فعلا أو أصبح يتيما من غير أم أو أب.
و لم يصدق عينيه أول الأمر ، و لكنه كان حقيقة هناك - على آخر درجة فى السلم - سبت فاتن الصغير نائما على جنبه و الحلة الألومنيوم ساقطة منه. و هبط السلالم الباقية قفزا ، و تدحرج و عاد يقفز ، و على آخر درجة وجد فاتن هناك .. هى بعينها جالسة و رأسها بين يديها ، و كانت تبكى و دموعها تسيل ، و سبتها الصغير راقد بجوارها و الحلة قد تبعثرت منه.
و أحاطها سامح بذراعيه و احتضنها و راح يطبطب عليها بيديه الصغيرتين ، و يقبلها فى وجهها و شعرها و يقول لها و كأنه يخاطب طفلة أصغر منه بكثير و يصالحها ، و هو فرحان لأنها لم تذهب لأمها و لا اشتكت : معلش معلش معلش ..
و جذبها برفق لينهضها ، و نهضت معه بغير حماس و دموعها لا تزال تتساقط .. دموع حقيقية ، و أعاد الحلة إلى السبت و علقه فى يدها ، و مضى يصعد بها السلم و ذراعه حولها ، و هى مستكينة إليه لا تزال تدمع و جسدها ينتفض ، و لكنها لا تقاومه و لا تتوقف عن الصعود.

المرتبة المقعرة ..للأديب يوسف ادريس

قصة قصيرة

للأديب يوسف ادريس

                           المرتبة المقعرة ..

في ليلة (الدخلة)

و(المرتبة) جديدة وعالية ومنفوشة ، رقد فوقها بجسده الفارع الضخم ، واستراح إلى نعومتها وفخامتها، وقال لزوجته التي كانت واقفة إذ ذاك بجوار النافذة :
-أنظري ...هل تغيرت الدنيا؟
ونظرت الزوجة من النافذة ، ثم قالت:
-لا .. لم تتغير..
-فلأنم يوماً إذن..


ونام أسبوعاً ، وحين صحا، كان جسده قد غور قليلاً في المرتبة..
فرمق زوجته وقال:
-أنظري ... هل تغيرت الدنيا؟
فنظرت الزوجة من النافذة ، ثم قالت:
-لا ..لم تتغير ..
-فلأنم أسبوعاً إذن..


ونام عاماً، وحين صحا، كانت الحفرة التي حفرها جسده في المرتبة قد عمقت أكثر، فقال لزوجته:
-أنظري...هل تغيرت الدنيا؟
فنظرت الزوجة من النافذة، ثم قالت:
-لا ..لم تتغير..
-فلأنم شهراً إذن..


ونام خمس سنوات، وحين صحا، كان جسده قد غور في المرتبة أكثر، وقال كالعادة لزوجته:
-أنظري...هل تغيرت الدنيا؟
فنظرت الزوجة من النافذة ، ثم قالت:
-لا ..لم تتغير..
-فلأنم عاماً إذن..


ونام عشرة أعوام، كانت المرتبة قد صنعت لجسده أخدوداً عميقاً ، وكان قد مات وسحبوا الملاءة فوقه فاستوى سطحها بلا أي إنبعاج، وحملوه بالمرتبة التي تحولت إلى لحد وألقوه من النافذة إلى أرض الشارع الصلبة..


حينذاك وبعد أن شاهدت سقوط المرتبة اللحد حتى مستقرها الأخير، نظرت الزوجة من النافذة وأدارت بصرها في الفضاء وقالت:
-يا إلهي...لقد تغيرت الدنيا..

قصة نظرة للأديب يوسف ادريس

قصة :                                  نظرة                      للأديب يوسف ادريس

"كان غريبا أن تسأل طفلة صغيرة مثلها إنسانا كبيرا مثلي لا تعرفه، في بساطة وبراءة أن يعدل من وضع ما تحمله، وكان ما تحمله معقدًا حقاً ففوق رأسها تستقر "صينية بطاطس بالفرن". وفوق هذه الصينية الصغيرة يستوي حوض، قد انزلق رغم قبضتها الدقيقة التي استماتت عليه حتى أصبح ما تحمله كله مهددا بالسقوط.

ولم تطل دهشتي وأنا أحدق في الطفلة الصغيرة الحيرى، وأسرعت لإنقاذ الحمل وتلمست سبلا كثيرة، وأنا أسوي الصينية فيميل الحوض، وأعدل من وضع الصاج فتميل الصينية، ثم أضبطهما معا فيميل رأسها هي. ولكنني نجحت أخيراً في تثبيت الحمل، وزيادة في الاطمئنان نصحتها أن تعود إلى الفرن، وكان قريبا حيث تترك الصاج وتعود فتأخذه . لست أدري ما دار في رأسها فما كنت أرى لها رأسا وقد حجبه الحمل . كل ما حدث أنها انتظرت قليلا لتتأكد من قبضتها ثم مضت وهي تغمغم بكلام كثير لم تلتقط أذني منه إلا كلمة "ستي".

ولم أحول عيني عنها وهي تخترق الشارع العريض المزدحم بالسيارات، ولا عن ثوبها القديم الواسع المهلهل الذي يشبه قطعة القماش التي ينظف بها الفرن، أو حتى عن رجليها اللتين كانتا تطلان من ذيله الممزق كمسمارين رفيعين.

وراقبتها في عجب وهي تنشب قدميها العاريتين كمخالب الكتكوت في الأرض، وتهتز وهي تتحرك ثم تنظر هنا وهناك بالفتحات الصغيرة الداكنة السوداء في وجهها وتخطو خطوات ثابتة قليلة وقد تتمايل بعض الشيء ولكنها سرعان ما تستأنف المضي . راقبتها طويلا حتى امتصتني كل دقيقة من حركاتها فقد كنت أتوقع في كل ثانية أن تحدث الكارثة.

أخيرا استطاعت الخادمة الطفلة أن تخترق الشارع المزدحم، في بطء كحكمة الكبار . واستأنفت سيرها على الجانب الآخر وقبل أن تختفي شاهدتها تتوقف ولا تتحرك . وكادت عربة تدهمني، وأنا أسرع لإنقاذها، وحين وصلت كان كل شيء على ما يرام والحوض والصينية في أتم اعتدال أما هي فكانت واقفة في ثبات تتفرج، ووجهها المنكمش الأسمر يتابع كرة المطاط يتقاذفها أطفال في مثل حجمها وأكبر منها، وهم يهللون ويصرخون ويضحكون.

ولم تلحظني، ولم تتوقف كثيرا فمن جديد راحت مخالبها الدقيقة تمضي بها وقبل أن تنحرف استدارت على مهل واستدار الحمل معها، وألقت على الكرة والأطفال نظرة طويلة ثم ابتلعتها الحارة".

أخي ! إنْ ضَجَّ بعدَ الحربِ غَرْبِيٌّ بأعمالِهْ ميخائيل نعيمة



                  أخي ! إنْ ضَجَّ بعدَ الحربِ غَرْبِيٌّ بأعمالِهْ                 


                                                                                                                                     ميخائيل نعيمة

أخي ! إنْ ضَجَّ بعدَ الحربِ غَرْبِيٌّ بأعمالِهْ
وقَدَّسَ ذِكْرَ مَنْ ماتوا وعَظَّمَ بَطْشَ أبطالِهْ
فلا تهزجْ لمن سادوا ولا تشمتْ بِمَنْ دَانَا
بل اركعْ صامتاً مثلي بقلبٍ خاشِعٍ دامٍ
لنبكي حَظَّ موتانا
***
أخي ! إنْ عادَ بعدَ الحربِ جُنديٌّ لأوطانِهْ
وألقى جسمَهُ المنهوكَ في أحضانِ خِلاّنِهْ
فلا تطلبْ إذا ما عُدْتَ للأوطانِ خلاّنَا
لأنَّ الجوعَ لم يتركْ لنا صَحْبَاً نناجيهم
سوى أشْبَاح مَوْتَانا
***
أخي ! إنْ عادَ يحرث أرضَهُ الفَلاّحُ أو يزرَعْ
ويبني بعدَ طُولِ الهَجْرِ كُوخَاً هَدَّهُ المِدْفَعْ
فقد جَفَّتْ سَوَاقِينا وَهَدَّ الذّلُّ مَأْوَانا
ولم يتركْ لنا الأعداءُ غَرْسَاً في أراضِينا
سوى أجْيَاف مَوْتَانا
***
أخي ! قد تَمَّ ما لو لم نَشَأْهُ نَحْنُ مَا تَمَّا
وقد عَمَّ البلاءُ ولو أَرَدْنَا نَحْنُ مَا عَمَّا
فلا تندبْ فأُذْن الغير ِ لا تُصْغِي لِشَكْوَانَا
بل اتبعني لنحفر خندقاً بالرفْشِ والمِعْوَل
نواري فيه مَوْتَانَا
***
أخي ! مَنْ نحنُ ؟ لا وَطَنٌ ولا أَهْلٌ ولا جَارُ
إذا نِمْنَا ، إذا قُمْنَا رِدَانَا الخِزْيُ والعَارُ
لقد خَمَّتْ بنا الدنيا كما خَمَّتْ بِمَوْتَانَا
فهات الرّفْشَ وأتبعني لنحفر خندقاً آخَر
نُوَارِي فيه أَحَيَانَا

الجمعة، 12 يونيو 2015

رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي حافظ ابراهيم


                                          رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي
                                                                                                                                             حافظ ابراهيم 

 
رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي وناديْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حياتِي
رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني عَقِمتُ فلم أجزَعْ لقَولِ عِداتي
وَلَدتُ ولمَّا لم أجِدْ لعرائسي رِجالاً وأَكفاءً وَأَدْتُ بناتِي
وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية ً وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلة ٍ وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِني ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي
فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي
أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَة ً وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ
أتَوْا أهلَهُم بالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً فيا ليتَكُمْ تأتونَ بالكلِمَاتِ
أيُطرِبُكُم من جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي
ولو تَزْجُرونَ الطَّيرَ يوماً عَلِمتُمُ بما تحتَه مِنْ عَثْرَة ٍ وشَتاتِ
سقَى اللهُ في بَطْنِ الجزِيرة ِ أَعْظُماً يَعِزُّ عليها أن تلينَ قَناتِي
حَفِظْنَ وِدادِي في البِلى وحَفِظْتُه لهُنّ بقلبٍ دائمِ الحَسَراتِ
وفاخَرْتُ أَهلَ الغَرْبِ والشرقُ مُطْرِقٌ حَياءً بتلكَ الأَعْظُمِ النَّخِراتِ
أرى كلَّ يومٍ بالجَرائِدِ مَزْلَقاً مِنَ القبرِ يدنينِي بغيرِ أناة ِ
وأسمَعُ للكُتّابِ في مِصرَ ضَجّة ً فأعلَمُ أنّ الصَّائحِين نُعاتي
أَيهجُرنِي قومِي-عفا الله عنهمُ إلى لغة ٍ لمْ تتّصلِ برواة ِ
سَرَتْ لُوثَة ُ الافْرَنجِ فيها كمَا سَرَى لُعابُ الأفاعي في مَسيلِ فُراتِ
فجاءَتْ كثَوْبٍ ضَمَّ سبعين رُقْعة ً مشكَّلة َ الأَلوانِ مُختلفاتِ
إلى مَعشَرِ الكُتّابِ والجَمعُ حافِلٌ بَسَطْتُ رجائِي بَعدَ بَسْطِ شَكاتِي
فإمّا حَياة ٌ تبعثُ المَيْتَ في البِلى وتُنبِتُ في تلك الرُّمُوسِ رُفاتي
وإمّا مَماتٌ لا قيامَة َ بَعدَهُ مماتٌ لَعَمْرِي لمْ يُقَسْ بمماتِ

على قدرِ الهوى يأْتي العِتاب أحمد شوقي

                         على قدرِ الهوى يأْتي العِتاب                
                                                                                                                                           أحمد شوقي




على قدرِ الهوى يأْتي العِتابُ ومَنْ عاتبتُ يَفْديِه الصِّحابُ
ألوم معذِّبي ، فألومُ نفسي فأُغضِبها ويرضيها العذاب
ولو أنَي استطعتُ لتبتُ عنه ولكنْ كيف عن روحي المتاب؟
ولي قلب بأَن يهْوَى يُجَازَى ومالِكُه بأن يَجْنِي يُثاب
ولو وُجد العِقابُ فعلتُ، لكن نفارُ الظَّبي ليس له عِقاب
يلوم اللائمون وما رأَوْه وقِدْماً ضاع في الناس الصُّواب
صَحَوْتُ، فأَنكر السُّلْوان قلبي عليّ، وراجع الطَّرَب الشباب
كأن يد الغرامَِ زمامُ قلبي فليس عليه دون هَوى ً حِجاب
كأَنَّ رواية َ الأَشواقِ عَوْدٌ على بدءٍ وما كمل الكتاب
كأني والهوى أَخَوا مُدامٍ لنا عهدٌ بها، ولنا اصطحاب
إذا ما اغتَضْتُ عن عشقٍ يعشق أُعيدَ العهدُ، وامتد الشَّراب

دعاء ختم القرآن تلحين وغناء رشيد شرشاف

مدونة الأدب العربي و الأناشيد الأدبية والإسلامية لرشيد شرشاف: بطريقة جديدة وغير معهودة في إلقاء الأدعية  دعاء خت...: بطريقة جديدة وغير معهودة في إلقاء الأدعية  دعاء ختم القرآن تلحين وغناء رشيد شرشاف

الخميس، 11 يونيو 2015

قصيدة فَاسْتَقْبِلُوا شَهْرَكُمْ

فَاسْتَقْبِلُوا شَهْرَكُمْ

د. عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل


أَهْـلاً وَسَهْلاً بِشَهْرِ الصَّوْمِ وَالذِّكْرِ ** وَمَرْحَبًا بِوَحِيـدِ الدَّهْـرِ فِي الأَجْرِ
شَهْـرُ التَّرَاويْـحِ يَا بُشْرَى بِطَلْعَتِهِ ** فَالْكَوْنُ مِنْ طَرَبٍ قَدْ ضَّاعَ بِـالنَّشْرِ
كَـمَ رَاكِـعٍ بِخُشُوْعٍ للإِ لَهِ وَكَمْ ** مِنْ سَاجِـدٍ وَدُمُـوْع العَيْنِ كَالنَّهْرِ
فَاسْتَقْبِلُوا شَهْرَكُمْ يَاقَوْمُ وَاسْتَبِقُوا ** إِلَى السَّعَـادَةِ وَالْخَـيْرَاتِ لاَ الوِزْرِ
إِحْيُوا لَيَالِيهِ بِالأَذْكَـارِ وَاغْتَنِمُـوا ** فَلَيْلَةُ الْقَـدْرِ خَـيْرٌ فِيهِ مِـنْ دَهْـرِ
فِيْهَا تَـنَـزَّلُ أَمْـلاَكُ السَّمَاءِ إِلَى ** فَجْرِ النَّهَارِ وَهَـذِيْ فُرْصَـةُ الْعُمْـرِ

=========
هَلا رَمَضَانُ

د. عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل


هَـلا رَمَضَـانُ يَـا شَهْرَ الدُّعَاءِ ** وَشَهْـرَ الصَّوْمِ شَهْرَ الأَوْلِيَاءِ
وَمَرْحًـا يَـا حَبِيبَ الْقَلْبِ مَرْحًا ** سَأُهْدِيكُـمْ نَشِيْدِي بِالثَّنَـاءِ
قِيَامُـكَ لَمْ يَجِدْ فِي اللَّيْلِ نِـدًّا ** وَصَوْمُكَ تَاجُـهُ نُورُ الْبَهَـاءِ
وَكَـمْ لِلَّهِ مِـنْ نَفَحَـاتِ خَيْرٍ ** بِمَقْدَمِكَ السَّعِيْـدِ أَخَا السَّنَاءِ
وَرَحْمَتُـهُ تُحِيـطُ بِكُـلِّ عَبْدٍ ** يَتُوْبُ وَيَرْتَدِي ثَـوْبَ الدُّعَاءِ
وَفِيْكَ الْعِتْـقُ مِـنْ نَـارٍ تَلَظَّى ** إِذَا تَـابَتْ قُلُـوْبُ الأَشْقِيَاءِ
وَغُفْـرَانٌ يُـلاَحِـقُ ذَا ذُنُـوْبٍ ** إِذَا مَا تَابَ مِـنْ فِعْلِ الْوَبَـاءِ
ومِيْضُ النُّـورِ يَدْخُـلُ فِي قُلُوبٍ ** وَتَزْدَهِـرُ الْخَوَاطِـرُ بِالْهُـدَاءِ
فَكَمْ خَشَعَتْ قُلُوبُ ذَوِي صَلاَحٍ ** وَكَـمْ دَمَعَتْ عُيُـونُ الأَتْقِيَاءِ
نَظَـرْتُ مَسَاجِـدًا تَزْهُو بِنُـورٍ ** فَسُرَّ الْقَلْبُ مِنْ وَهَـجِ الصَّفَاءِ
وَفِيْكَ تَـنَـزَّلُ الأَمْـلاَكُ حَـتَى ** طُلُوعِ الْفَجْرِ يَا لَكَ مِـنْ ضِيَاءِ
هَنِيْئًـا يَـا بَنِـي الإِسْلاَمِ طُـرًّا ** فَقَـدْ وَصَلَ الْمُبَارَكُ بِـالْعَطَاءِ
فَحَيُّـو شَهْرَكُـمْ بِجَمِيْلِ صَـوْمٍ ** فَكَمْ فَرِحَتْ قُلُـوبٌ بِـاللِّقَاءِ
سَـلاَمُ اللهِ يَـا رَمَضَانُ يَغْشَـى ** جَنَابَكَ يَـا مُكَلَّلُ بِـالْوَفَـاءِ
إِلهِـي إِنَّ شَهْـرَ الصَّـوْم وَافَى ** وَذَنْبِي فَوْقَ ظَهْرِي كَـالْغِطَاءِ
وَفِي عُنُقِي حِبَـالُ الْـوِزْرِ تَلْوِي ** عُرُوقِي وَالذُّنُوبُ رَحَـى الْبَلاَءِ
فَجُـدْ بِـالْعَفْـوِ يَـا رَبَّـاهُ إِنِّي ** دَعَوْتُكَ مُخْلِصًا فَـاقْبَلْ دُعَائِي



=========
أَهْلاً بَِشَهْرِ التُّقَى

د. عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل



أَهْلاً بَِشَهْرِ التُّقَى وَالْجُـوْدِ وَالْكَرَمِ ** شَهْـرِ الصِّيَامِ رَفِيْعِ الْقَدْرِ فِي الأُمَمِ
أَقْبَلْتَ فِيْ حُلَّـةٍ حَفَّ الْبَهَـاءُ بِهَا ** وَمِـنْ ضِيَائِكَ غَابَتْ بَصْمَـةُ الظُّلَمِ
أَهْلاً بِصَوْمَعَةِ الْعُبَّادِ - مُـذْ بَزَغَتْ ** شَمْسٌ - وَمَجْمَعِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْقِيَمِ
أَهْلاً بِمَصْقَلَـةِ الأَوَّابِ مِـنْ زَلَلٍ ** وَمُنْتَـدَى مَنْ نَأَى عَنْ بُـؤْرَةِ اللَّمَمِ
هَذِي الْمَـآذِنُ دَوَّى صَوْتُهَا طَرَبًا ** تِلْكَ الْجَـوَامِـعُ فِيْ أَثْوَابِ مُبْتَسِمِ

نُفُوْسُ أَهْلِ التُّقَى فِيْ حُبِّكُمْ غَرِقَتْ ** وَهَزَّهَا الشَّوْقُ شَوْقُ الْمُصْلِحِ الْعَلَمِ
تُحِبُّ فِيْكَ قِيَامًا طَـابَ مَشْرَبُـهُ ** تُحِبُّ فِيْكَ جَمَالَ الذِّكْرِ فِي الْغَسَمِ
وَلَيْلَةٌ فِيْكَ خَيْرٌ- لَوْ ظَفِرْتُ بِهَـا - ** مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ فَجُدْ يَا بَـارِئَ النَّسَمِ
رَبَّـاهُ جِئْتُ إِلَى عَلْيَـاكَ مُعْتَرِفًـا ** بِمَـاجَنَتْـهُ يَـدِيْ أَوْ زَلَّـةُ الْقَدَمِ
فَجُدْ بِعَفْـوٍ إِلَهِـيْ أَنْتَ ذُو كَـرَمٍ ** فَكَـمْ مَنَنْتَ عَلَى الْعَاصِيْنَ بِالنِّعَمِ
وَاخْتِمْ لِعَبْدِكَ بِالْحُسْنَـى فَلَيْسَ لَهُ ** سِـوَاكَ يُنْقِـذُهُ مِنْ مَـوْقِفِ النَّدَمِ
صَلَّى الإِلَـهُ عَلَى طـهَ وَعِتْـرَتِـهِ ** وَمَـنْ قَفَا الإِثْرَ مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَمِ


============

سلام على شهرنا

د. عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل


سَلامٌ عَلَـى شَهْرِنَـا الْمُنْتَظَـرْ ** حَبِيْبِ الْقُلُوْبِ سَمِيْرِ السَّهَـرْ
سَلامٌ عَلَـى لَيْلِـهِ مُـذْ بَـدَا ** مُحَيَّاهُ يَزْهُوْ كَضَـوْءِ الْقَمَـرْ
فَأَهْلا وَسَهْلا بِشَهْـرِ الصِّيَـامِ ** وَشَهْرِ التَّرَاوِيْحِ شَهْـرِ الْعِبَـرْ
فَكَمْ مُخْلِـصٍ رَاكِـعٍ سَاِجِـدٍ ** دَعَا اللهَ حِيْنَ ارْعَوَى وَادَّكَـرْ
وَكَمْ خَاشِعٍ فِي اللَّيَالِي الْمِـلاحِ ** بِدَمْعٍ غَزِيْرٍ يُضَاهِـي الْمَطَـرْ
فَشَهْرُ الصِّيـامِ وَشَهْـرُ الْقِيَـامِ ** وَشَهْرُ الدُّعَاءِ يَفِـي بِالْوَطَـرْ
أَرَى شَمْسَهُ أَشْرَقَتْ فِي الْقُلُوْبِ ** وَضَاءَتْ كَمَا ضَاءَ نُوْرُ الْبَصَرْ
أَتَـانَـا شَـذَاهُ بِنَفْحَـةِ خَيْـرٍ ** وَنَفْحَةِ جُودٍ وَعِطْـرِ الزَّهَـرْ
فَكَمْ مُذْنِـبٍ كَفَّ عَـنْ ذَنْبِـهِ ** وَصَارَعَ شَيْطَانَـهُ فَانْتَصَـرْ
وَكَمْ غَافِـلٍ هَبَّ مِـنْ رَقْـدَةٍ ** فَشَدَّ الإزَارَ وَأَحْيَـا السَّحَـرْ
وَيَتْلُو الْكِتَابَ بِصَـوْتٍ رَخِيْـمٍ ** وَيُحْذِقُ فِـي آيِـهِ وَالسُّـوَرْ
فِنَاءُ الْمَسَاجِدِ تَبْـدُوا طَرُوْبًـا ** بِجَمْعِ الْمُصَلِّيْنَ لا للسَّمَـرْ
وَفِيْ كُلِّ بَيْتٍ سَمِعْنَـا دُعَـاءً ** وَفِـيْ كُلِّ نَادٍ تُضِيء الْفِكَـرْ
إِلَهِيْ فَإِنِّـي ابْتُلِيْـتُ بِذَنْـبٍ ** يَهُدُّ الصُّخُوْرَ يُذِيْبُ الْحَجَـرْ
وَأَنْتَ رَحِيْمٌ عَفُـوٌّ كَـرِيْـمٌ ** حَلِيْمٌ عَظِيْمٌ هَدَيْـتَ الْبَشَـرْ
فَعَفْوًا إِلهِـيْ فَعَبْـدُكَ يَدْعُـوْ ** بِقَلْبٍ خَشُوْعٍ شَدِيْدِ الْخَـوَرْ
فَهَبْ لِيْ ذُنُوْبِيْ وَجُدْ لِيْ بِعَفْوٍ ** يُجَنِّبُنِـيْ مُوْجِبَـاتِ سَقَـرْ
وَصَلِّ إِلهِـيْ وَسَلِّـمْ سَلامـاً ** عَلَى أَفْضَلِ الْخَلْقِ طهَ الأغَـرّْ
وَآلٍ وَصَحْبٍ وَأَهْلِ صَـلاحٍ ** سَـلامٌ عَلَيْهِـمْ بِبَحْـرٍ وَبَـرْ

أنشودة أَهْـلاً وَسَهْلاً بِشَهْرِ الصَّوْمِ وَالذِّكْرِ تلحين وغناء رشيد شرشاف


كلمات  د. عبد الرحمن بن عبد الرحمن شميلة الأهدل تلحين وغناء رشيد شرشاف
أَهْـلاً وَسَهْلاً بِشَهْرِ الصَّوْمِ وَالذِّكْرِ ** وَمَرْحَبًا بِوَحِيـدِ الدَّهْـرِ فِي الأَجْرِ
شَهْـرُ التَّرَاويْـحِ يَا بُشْرَى بِطَلْعَتِهِ ** فَالْكَوْنُ مِنْ طَرَبٍ قَدْ ضَّاعَ بِـالنَّشْرِ
كَـمَ رَاكِـعٍ بِخُشُوْعٍ للإِ لَهِ وَكَمْ ** مِنْ سَاجِـدٍ وَدُمُـوْع العَيْنِ كَالنَّهْرِ
فَاسْتَقْبِلُوا شَهْرَكُمْ يَاقَوْمُ وَاسْتَبِقُوا ** إِلَى السَّعَـادَةِ وَالْخَـيْرَاتِ لاَ الوِزْرِ
إِحْيُوا لَيَالِيهِ بِالأَذْكَـارِ وَاغْتَنِمُـوا ** فَلَيْلَةُ الْقَـدْرِ خَـيْرٌ فِيهِ مِـنْ دَهْـرِ

 فِيْهَا تَـنَـزَّلُ أَمْـلاَكُ السَّمَاءِ إِلَى ** فَجْرِ النَّهَارِ وَهَـذِيْ فُرْصَـةُ الْعُمْـر

الاثنين، 8 يونيو 2015

هشام الجخ - طبعا ماصليتش العشا

هشام الجخ - طبعا ماصليتش العشا

هشام الجخ - قصيدة سكرانة

هشام الجخ - قصيدة سكرانة

إلى حبيبتي في رأس السنة - نزار قباني

إلى حبيبتي في رأس السنة - نزار قباني

الى طغاة العالم - قصيدة للشاعر - ابو القاسم الشابي

الى طغاة العالم - قصيدة للشاعر - ابو القاسم الشابي

الأربعاء، 3 يونيو 2015

قصة قصيرة ذكريات زائر الغرف...بقلم:رشيد شرشاف

بسم الله الرحمن الرحيم
قصة قصيرة ذكريات زائر الغرف...بقلم:رشيد شرشاف
زاز..زوز..زيز.تشبثت بالحائط وأخذت أنظرحولي لعلي ألتقي بأحد معارفي،لكن الغرفة كانت خالية منهم،ولم يكن بها إلا بعض الحشرات التي لا تنتمي إلى جنسي،ولا ترتبط معه بعلاقات طيبة رغم المعاهدات و الإتفاقيات التي حررناها معا،بخصوص الحقوق العامة والحريات الخاصة التي يجب أن تتمتع بها كل حشرة طائرة في الفضاء أو سائرة على الأرض.
كانت النافذة التي دخلت منها قبل قليل مازالت مفتوحة ،والهواء الدافئ يخترقها بليونة ليزور أرجاء الغرفة في خيلاء وهو محمل بأصداء الصمت الرهيب الذي يخفي وراءه مؤامرات سرية ،تنسجها بعض العناكب الشريرة،الموزعة في أرجاء الغرفة،ثم يفارقها ليعود إليها من جديد وهو محمل بأخبار قطط تتصارع أمام سلة قمامة توجد تحت النافذة مباشرة.
أحسست بالغيظ وأنا أتذكر هذه القطط المشاكسة وما أضاعته علي من طعام لذيذ سال له لعابي عندما كنت ملتفا حوله أنا وبعض أصدقائي الآتين من الحي المجاور في رحلة سياحية جميلة ،كانت ستدوم أياما طوالا لولا وصول هذه القطط و ٱنفضاض شملنا المجتمع.
ضايقني هذا كثيرا ،فأخذت أمسح جناحي برجلي الخلفيتين بطريقة لاإرادية وأنا محول بصري عن باقي الحشرات المنتشرة في الغرفة،ومستعد لأي محاولة غدر مباغثة قد تأتي من أحد العناكب المكرة.
لم أستطع أن أقاوم الخوف والوحدة الذان بدآ يسيطران علي ويقلقاني ،ولذلك فقد أخذت أشغل نفسي بالنظر إلى ما حولي وأقارنه بما شاهدته في رحلاتي المتعددة بين المنازل والغرف.
كانت الغرفة ضيقة وذات أثاث قليل لا يحتوي إلا على بضع كراسي ،موزعة هنا و هناك بدون ٱنتظام ،وخزانة كتب قديمة وطاولة صغيرة موجودة أمام النافذة، ظهر على سطحها الأمامي بضع أوراق مبعثرة ،وفنجان قهوة ممتلئ نصفه ،و أما نصفها الخلفي فلم أتبينه جيدا لأنه كان يقع في زاوية مظلمة ،و أما الجدران فقد كانت حالكة اللون ،وتنبعث منها رطوبة مقرفة ،والمكان كله يسيطر عليه سكون ممل بعث في أطرافي الخمول والكسل وأثقل رأسي بتخدير لذيذ.
تثاءبت وأغمضت عيني للحظة قصيرة فرأيت فيما يرى النائم الغرفة قد تبددت وتغيرت تماما ،وحل مكانها ضباب رمادي غريب ،أخذ يجتدبني داخله ويلفني من كل جانب بواسطة ذراته الإهليليجية ،التي أخذت تتمدد و تتمدد لتحصر جسمي الصغير بينها وتضغط عليه بشدة إلى أن تقلص وٱنكمش ،وأصبح نقطة فراغ صغيرة لم تلبث أن كبرت وٱنتفخت وأعادت جسمي إلى طبيعته الأولى بعد أن إمتصت كل الضباب المحيط بها ،وكشفت عن جدران الغرفة وأثاثها وحشراتها وعناكبها الذين أصبحو مكونين من فقاعات إسفنجية شفافة بعضها متراص فوق بعضه يكون أشكالا هندسية مختلفة :جدران،كراسي،كتب ونافذة،وبعضها الآخر طائر وسط الغرفة وهو يجسد الحشرات والعناكب.
ثرت و ٱنتفضت وأخذت ألطم الجدار الإسفنجي بأرجلي الستة، لكنه مال بي ،وكادت الغرفة أن تسقط على رأسي، لولا أن إنتصبت فجأة، وتصلبت، وصوبت نحوي بعض فقاقيعها، التي تحولت في لحظة واحدة إلى أيادي قوية، أطبقت على عنقي بشدة، وكادت أن تخنقه، كأنها تستنكر إعتدائي عليها ،ثم تحولت إلى سهام حادة ٱنغرزت في جسمي، وأخذت تمتص ماءه ،و تحوله إلى كتلة عضوية جافة و ساكنة ،فأظلمت الدنيا أمام عيني وتهت في دوامة من ضباب.
بعد وقت قليل أو كثير لا أعرف..إستعدت وعيي ،فوجدتني متشبثا بجدار الغرفة أتصبب عرقا ،ووزني قد تضاعف مئات المرات، فلم أعد قادرا على الحراك.أدرت رأسي حولي بصعوبة فوجدت الغرفة كما رأيتها أول مرة :الجدران الإسمنتية الحالكة اللون،الكراسي الموزعة بدون ٱنتظام ،الطاولة التي أمام النافذة ،خزانة الكتب ،الحشرات والعناكب .تثاءبت في خمول ومسحت عيناي برجلي الأماميتين كي أنفض عنهما النعاس ،وأخذت أنظر إلى العناكب وهي تجهز الفخاخ وتخفيها في حركات نشيطة ،وتصورت نفسي واقعا في إحداها ـ لا حول لي ولا قوة ـ والعنكبوت تمتص دمي،فٱتسعت عيناي على آخرهما وأصبت بالذعر.
زيز..زوز..زاز طرت في أرجاء الغرفة كالمجنون عندما خطر لي هذا التصور ،فأخذت أخترق ذرات الهواء في نهم عجيب،وأحاول أن أجد لي مكانا بينها أختبئ فيه كي أبتعد عن تخيلاتي لكن الخوف ظل يلازمني ،وصورة مقتلي على يد العنكبوت أخذت تكبر و تكبر حتى ٱجتاحت كل مخيلتي ،فبدت لي نهايتي محتومة لا مفر منها ،ووددت لو ينقضي هذا الأمر بسرعة فينتهي عذابي ،وبدأت أفكر فعلا في الإستسلام لولا أن أحسست بالدفئ يسري في عضلاتي المتخشبة ،ويهب علي من أحد الجوانب.ٱنتابني فرح عارم أنساني خوفي وأحل محله بعض الطمأنينة و الأمان ،وغمرتني نشوة لذيذة شحنتني بالثقة في نفسي و في قدراتي الدفاعية على مواجهة الأعداء ،فتأهبت للمجابهة و ٱستعددت لها بكل خلجاتي،ولكي لا يبقى في نفسي أي مجال للخوف ،أخذت أرفرف بجناحي بسرعة و أنا أدور في حلقات أفقية كي أزيد من نشوة الدفئ والفرح الذان ٱنتاباني ،وكنت أثناء ذلك أجيل الطرف حولي باحثا عن مصدر الهواء الدافئ الذي هب علي قبل قليل وزاد من إنتعاشي،وكنت أنسج لصاحبه في مخيلتي صورا حالمة ،و أنوي أن أعترف له بفضله علي وبجميله حالما أراه ،لكن توقعاتي خابت كلها عندما علمت المصدر ،فأظلمت الدنيا أمام عيني و أدركت أنها النهاية.
زاز..زوز..زيز هبطت هبوطا إضطراريا على الطاولة التي كانت بالقرب مني و بدأت أنتظر مصيري المحتوم و في لحظة واحدة أخذت أسترجع شريط مراقبتي للغرفة و أعيد تكراره مرات و مرات وأنا أراقب ذلك الكائن البشري الجالس أمامي وأبحث له عن مكان في ذاكرتي لكنني لم أجده بها . كان جالسا في زاوية مظلمة على كرسي يوجد وراء الطاولة وعيناه شاخصتان نحو السماء تنظران إلى القمر المنير في حنية عجيبة ،ومن حين إلى حين كان يزفر زفرة طويلة تتبعها قطرات دمع فارة تتراقص أولا فوق أهدابه ثم تسيل بين تجاعيد وجهه النحيف المائل إلى الزرقة لتسقط على سطح الطاولة وترشني بمائها المالح.نظرت إليه بإشفاق لم أظن يوما أنني سأوليه لأحد من جنسه وذلك لأن إخوانه زرعوا في دمي الحقد منذ الصغر وسقوه بتحرشاتهم بي و بنظرات الإحتقار لي كلما رأوني ،فلم يكن مني إلا أن بادلتهم بنفس مشاعرهم وعاملتهم بنفس معاملتهم ،وقد إزدادت كراهيتي لهم كثيرا حينما علمت أنهم قتلوا إخواني بالبلايين من دون أي سبب سوى لأنهم أرادوا أن يعيشوا مثلهم ويحيوا كما يحيا كل الخلق ورغم أن إعتداءهم هذا مخالف لمبادئ حقوق الكائنات الذي ينص في باب الحريات الطبيعية بأن لكل كائن حريته في أن يغرف حقه من الأمكنة التي يأخذ منها الجميع لأنها ملك للكل وليست حكرا على أحد فإنهم يتغاضون عن هذا القانون و يحولون لفظ حقوق الكائنات إلى حقوق الإنسان كي يبرروا إعتداءهم علينا ويسلوا منا براءتهم .أذكر مرة لما قتل والداي على يدي أحد البشر بدعوى إزعاجهما له و مضايقته قالت لي جدتي :يا حفيدي اليوم قتل والداك و غدا تقتل أنت فأشهر سلاحك عليهم و ٱقتل منهم ما شئت .ثم ماتت، لم أفهم وقتها الحكمة المتوخاة من مطلبها هذا و لا كيفية قضاء كائن صغير مثلي على كائن عملاق مثل الإنسان لكنني عرفت ذلك فيما بعد و أتقنت اللعبة وعندها علمت لم طلبت مني جدتي ذلك و عرفت معنى الحرية التي يطالب بها الإنسان ويريد أن يعممها على باقي الخلق.لم أدر ما الذي حدث لي حتى إستثنيت هذا الكائن البشري من وصية جدتي و عطفت عليه ورأفت به ..لكن هذا ما حدث.
كنت أشعر بوجود قوة خفية تسري بيني و بينه وتؤثر على مشاعري و تحاول أن تجدبني إليه و تصهرني في ذاته لتكون منا جسما واحدا متكاملا و موحدا.راقني هذا الإحساس كثيرا وتملك مشاعري فبدأت أنسج له في مخيلتي صورة خيالية تجمع صفاتي بصفاته صورة لجسد بحجم الإنسان له جناحان شفافان كبيران وأربعة أطراف قوية إثنان مرتبطان بأعلى الصدر وإثنان آخران مرتبطان بأسفل البطن.. نظرت إليه في هيام نظرة المنقذ من سجن منيع وتمنيت لو تتوقف دموعه عن السيلان و تزول عنه آلامه و يعود إليه نشاطه فيضمني إليه لنشكل ذاتا واحدة ونطير معا في الفضاء ونهجر آلامنا التي تضطرم في صدرينا وننسى العذاب الذي نحس به لكن هذا تبخر في لحظة واحدة وتحول إلى حقد كبير عندما رأيت يده تهوي نحوي بسرعة كأنها تريد سحقي فتكومت حول نفسي و ٱنتظرت نهايتي.
زيز..زوز..زاز لم أستطع أن أظل مكتوف الجناحين من دون أن أفعل أي شيء ولذلك فقد إرتفعت قليلا عن الطاولة وحاولت أن أتجنب يده بأقصى ما يمكن رغم ما كنت أحس به من رعب شديد ،لكن محاولتي هذه لم يكتب لها أن تكتمل لأنني عدلت عنها في آخر لحظة لما رأيته من عجب ،فهو لم يوجه يده نحوي بل وجهها إلى ورقة كانت بالقرب مني وأخذ يخط عليها بضع جمل مترابطة مثنى مثنى ومتقايسة .كان يكتب بإنفعال واضح .يداه ترتعدان ووجهه متصلب كأنه يكابد معاناة شديدة ،وعيناه تبرقان ويتساقط منهما الدمع الغزير.ٱغتظت وغضبت ووأدت في صدري كل ذرة رحمة كنت أحسها تجاهه ،ووددت لو أن لي القدرة الكافية كي أحطم رأسه و أنتهي من مضايقاته لي ،وتمنيت لو أني ما دخلت الغرفة قط فمنذ ولوجي إليها وأنا في هلع ورعب كلما إطمأننت قليلا إلا ويحدث ما يعكر مزاجي ويزيد رعبي فأتصور أنني ملاق حتفي
حاولت أن أهدئ نفسي وأمتص غضبي وأتغاضى عما حدث لي لكن محاولاتي كلها باءت بالفشل فٱزددت غضبا وقررت أن أرد له الصاع صاعين وأنتقم منه وأتفنن في إهانته والإستهزاء به والسخرية منه وذلك بأن أطير بينه وبين ما خطه لأستفزه و أشغله عنه لكنه لم يأبه بي ولم يضع لي أي إعتبار فشعرت بالإحتقار.توقفت وأخذت أنظر إليه في إرتباك وإلى ما خطه على الورقة في فضول .قرأت المخطوط بصوت منخفض أقرب إلى الهمس:
أضاءت ظلام الأفق ألـواح دمـعتي وصمَّت فضاءَ الأرض أصداء صرختي
سوار صبري قد شقه الوهن والضنى وسادت رياحَ الصـدر أوجاع حـسرتي
وقلبي تداعى و الأسى فوق حمــله وكل المـنى قد حطـمت تحت لوعـتي
مللت الضنى أصل الأذى في نوازلي فـزاد الأذى عما ملـلـت في كـربتي
ظللت شاردا لبعض الوقت وأنا أقلب ما قرأته من جميع جوانبه وأحاول أن أستنبط منه ما ٱستغلق علي فهمه وفي لحظة أحسست بإرتياح عجيب يسري داخلي فنقلت بصري إلى وجهه فوجدته ينظر إلي و قد ظهرت عليه دلائل البِشر والفرح ،وعيناه أصبحتا هادئتان وشفتاه إرتسمت عليهما إبتسامة غريبة .إحترت وٱندهشت و..فجأة ومن دون أي مقدمات تغير كل ذلك وٱتسعت عيناه قليلا فوقف نصف وقفة وهو يضع يده على صدره ويصرخ في ألم كأنه يعاني من حرقة ما أو يحس بٱختناق ،ثم سقط على الأرض بلا حراك ،وخيل إلي آنذاك بأن نورا هادئا قد إنبعث من جسده وٱنطلق نحو السماء .أخذت أدور فوق جثمانه في حيرة وأنا أحس نحوه بالعطف و الشفقة ،وبعد قليل سمعت طرقات عنيفة على الباب وقبل أن يكسر كنت قد غادرت الغرفة.
تمت بحمد الله في يوم:20.06.1996
تم بحمد الله