الأربعاء، 9 سبتمبر 2015

ظلال الطفولة

قصة قصيرة: ظلال الطفولة بقلم:رشيد شرشاف

إمتلأ البيت بالناس ،النساء في الطابق السفلي و الرجال في الطابق العلوي و الأطفال منتشرون في كل مكان،وفي كلا الطابقين ضجيج وكلام فارغ..فاليوم يوم عرس والعرس لازال في أوله..واحد فقط في الطابق العلوي عمره ثلاثة سنوات ظل صامتا حائرا ينظر إلى ظله المرتسم على الأرض في توجس وخوف وهو يحاول الإبتعاد عنه في إستماتة لكنه كان يتبعه و لا يفارقه .أراد أن يستنجد بأحد الذين يحيطون به فلم يعرف منهم أحدا،فٱزداد خوفه وود لو يعود إلى أمه في الطابق السفلي و يدفن نفسه في حضنها فلا يتركها أبدا..لكن ماذا عن هذا الكائن الغريب؟هل سيتركه يمر في سلام؟ قطعا لا. إنه يتربص بجميع خطواته ولا يدع مكانا يمشي إليه إلا و يذهب إليه هو الآخر..لابد من مجابهة الواقع و إكتشاف المجهول ..لقد إكتشف لحد الآن بأن ظله لا يرتسم على الأرض فقط بل يرتسم حتى على الحائط..وفي بعض الأحيان يصبح طويلا كبير مخيفا وفي أحيان أخرى يصبح قزما صغيرا تتقزز منه نفسه لكنه لا يخشاه ولا يشعر نحوه بأي ذرة خوف..ترى ما طبيعة هذا الكائن المتغير الأشكال و الأطوال؟إنه لم يره من قبل أو هكذا خيل إليه, ؤأمه لم تحك له عنه.إستجمع شجاعته وٱقتفى أثره إلى أن حاصره في زاوية الغرفة وهو مرتسم على الحائط ،فمد سبابته نحوه و مسه ثم فر بعيدا وسط ضحكات الحضور, الذين أخذوا يراقبون حركاته الغريبة،لكنه لم يبال بهم وٱستمر في مناورة ظله في شتى أرجاء الغرفة ,وهو يكاد يموت هلعا, و في محاولة يائسة منه لإنهاء الصراع الغير المتكافئ, رمى ظله بأحذية الحضور التي كانت موجودة بجانب مدخل الغرفة, فتعالت الضحكات حتى دمعت الأعين ،وهنا تقدم أحد الحضور نحوه, وهدأ من روعه, فأخذه إلى مجلسه ,و أجلسه بجانبه ثم قال له في حنان بالغ:
هل يخيفك الظل؟
فحرك الطفل الصغير رأسه بعلامة الإيجاب, ولم ينبس بأي كلمة طوال جلوسه،لكنه أخذ يحدق طويلا في وجه منقذه ,و يستمع في غرابة إلى حديثه مع باقي الحضور, الذي تشعب كثيرا فلم يعد يفهم منه شيئا, لكنه على الأقل يعلم بأن الحديث قد إبتدأ بربط علاقة بين صراعه مع الكائن الغريب, و صراع بعض الناس مع كائن آخر إسمه اللغة الأم, و كثيرا ما حاول أن يكتشف طبيعة هذين الصراعين ,و يجد الرابط بينهما, لكن تركيزه تبدد في الأخير كمثل تبدد نقاشهم عند تقديم الوليمة.
أمعاءه الآن تتصارع و تحدث صوتا غريبا يغلف الصراع بغلاف مأساوي ،ومائدة الطعام أمامه لكنه يخجل من مد يده رغم أن كل الأيادي الكبيرة قد أخذت قطع الخبز و شرعت في الأكل.نظر إلى منقذه نظرة جانبية, فوجده ينظر إليه فٱبتسم في خجل, وطأطأ رأسه لكن المنقذ ربت على رأسه برفق مطمئنا, ثم أخذ يطعمه,وقد أدهشه هذا كثيرا لأنه تفرغ إليه كليا ولم يطعم نفسه ولو لقمة واحدة ..أكل حتى شبع وجمعت الأطباق وقدم الشاي والحلوى،وبدآ جفناه يتثاقلان، وفي هذه اللحظة سمع شخص مألوف لديه ينادي عليه من مدخل الغرفة في خفوت من مكان لا يراه الحضور ،فنفض عن عينيه النعاس مؤقتا, وٱنطلق يجري نحو مصدر الصوت .لقد كان الصوت صوت أمه تدعوه للعودة إلى المنزل .حملته ثم قبلته على جبينه وسألته:
ـ هل تناولت الطعام؟
فأجاب:
ـ نعم لقد أطعمني ذلك الرجل..
وأشار بسبابته إلى منقذه ثم إرتمى على صدرها و نام..في الصباح عندما إستيقظ وجد نفسه في فراشه بغرفته و الشمس قد سطعت و رمت أشعتها عليه .ضجيج عرس البارحة مازال يرن في أذنيه ،و الكائن الغريب طارده مرة أخرى في أحلامه .نادى أمه بصوت منخفض متعب لم تسمعه أذناه ،ثم بصوت مرتفع قليلا ،فجاءت إليه بعد لحظات ،عيناها متعبتان وإبتسامتها تملأ وجهها كله.إلتقت النظرات.في عينيه أسئلة كثيرة تبحث عن إجابة.المجهول أصبح بحرا أسودا غاضبا ،يتلاطم بشدة داخل جمجمته الصغيرة ,ويكاد يحطم بناءها المقعر
قال لها ببراءة و عيناه لا تفارقان وجهها:
ـ أمي لقد رأيت الليلة الماضية في منامي أحلاما كثيرة أخافتني, فمتى يأتي أبي من سفره البعيد كي يطمئن قلبي؟
فشردت عيناها بعيدا وراء أحد أبواب مملكة الموت المشرعة حيث يرقد والده بالداخل ،ثم عادتا إليه وهما محملتان بحزن رهيب و قالت له:
ـ ألا يكفيك أن تكون معي؟
فٱحتار الصغير في الجواب ولم يجبها فٱحتضنته،إحتضنته بشدة لم يعهدها من قبل، كأنها تخاف فراقه أو تحميه من مجهول ما،فٱستسلم هو لدفئها في خضوع .لم يقاوم ولم يعارض ،لكن الأسئلة أخذت تتناسل في رأسه و تتكاثر.تنمو و تنضج
و تتراكم في الركن الخلفي للجمجمة إستعدادا للطرح في وقت آخر ،ولم ينبس بأي كلمة و ظل صامتا فالكلام قد خرج عن سلطة لسانه،و لاحظت هي ذلك فٱزداد تعلقها به..تفانت في خدمته في ذلك اليوم أكثر من ذي قبل ،ولازمته في جل تحركاته .لاعبته و داعبته إلى أن إنتزعت الإبتسامة من شفتيه و ٱطمأنت عليه فخف قلقها.
أمر واحد حدث فيما بعد للصغير أثناء وجوده أمام عتبة البيت جعلها تعيد النظر فيما فضل عندها من قلق ،فقد كان يلعب مع أصدقائه فرحا مسرورا, لكنه وعلى نحو مفاجئ تغيرت سحنته و ظهر على محياه الذعر،لم يكن السبب هو مضايقة أحد أصدقائه أو إصابته بمغص مؤلم مثلا ,لأن ذلك كان سيثير والدته و يزيد من قلقها ،لقد كان السبب هو رؤيته لظل متحرك .. نعم،ظل رجل يحمل في يده اليمنى سجادة..لابد أنه كان ذاهبا إلى المسجد أو عائدا منه.حاول كعادته الفرار أو الإستنجاد بأمه أو مجابهة الواقع لكنه عدل عن ذلك في آخر لحظة،فالشخص الذي رآه كان هو نفس الرجل الذي جالسه في حفلة العرس و عطف عليه.إنطلق نحوه بحماس و أمسك بيده و صافحه ناسيا الظل المرتسم على الأرض.تعرف عليه الرجل بسهولة فقال له مداعبا:
ـ سلام الله عليك أيها البطل الصغير أمازلت تخشى الظل؟
فتمسك بالرجل في خوف وقال:
ـ إنه يخيفني كثيرا .يخيفني في نومي وفي يقظتي
فضحك الرجل وقال له مطمئنا:
ـ لا تخف منه ..إنه لطيف ومسالم و صديق وفيٌّ في كل الأوقات
فنظر إليه الطفل في حيرة وقال له:
ـ إذا لماذا يطاردني في كل مكان ويخيفني ؟
فٱبتسم الرجل و قال له:
ـ السبب يعود إليك بالدرجة الأولى فأنت لم تفهمه ولم تحاول الإقتراب منه ..إنه يريد أن يتعرف عليك و يصادقك وأنت تخاف منه وتحاربه ..
فبهت الطفل من كلام الرجل و أطرق برأسه إلى الأرض وأمارات التأنيب و الشعور بالذنب قد ظهرت على وجهه ،وأخذ ينظر إلى ظله مليا و يراقب تحركاته الحائرة التي لم تكن سوى ترجمة لتحركاته هو كأنه يريد أن يستوثق من كلام الرجل وفي الأخير قال:
ـ يبدو أنني ظلمته من دون أن أشعر ،هل مازال يريد مصادقتي؟
فقال له الرجل:
ـ نعم.. بالتأكيد و إلى آخر العمر
ففرح الطفل من كل قلبه وحينما عاد إلى البيت و حكى لأمه ما جرى لم تتمالك نفسها من شدة التأثر ،فسالت من عينيها دموع كثيرة ،كانت هي دموع الفرح..

هايكوـ عن الحرب..بقلم: رشيد شرشاف

هايكوـ عن الحرب

أرخت ظلالها على الأرض
بين معول و بندقية
تفاحة بلون الدم.
.............................................
رائحة شواء
وبحر بلا شطآن
أجساد اللاجئين.
............................................
بين الأشجار
تقف في شموخ
دبّابة.
.............................................
و دمعته متلألئة
يعظهم و يشحن هممهم
مستعمر.
.............................................
رضيع يحترق،
على قنوات الترفيه
شجب و ٱعتراض.
..............................................
هاربون من الموت،
بطشت بهم الأمواج بطشا:
حفر عطشى.
..............................................
يوم الحشر
لا يبرد حر
من رمته موجة.
.............................................
وردة ذابلة،
مبتور الجناح
ذلك الطفل.
.............................................
كسكّيرة بلهاء،
تتمايل بغطرسة
هذه الأرض.
............................................
بقلم: رشيد شرشاف........................
هايكوـ عن الطفل

وردة ذابلة
مبتور الجناح
ذلك الطفل.
.............................................
سحقا لمن باع
وقزم فضاآتي:
طفل مجاهد.
.............................................
مشيرا نحو السماء
واضعا أصبعه على الأرض
طفل يراقب فراشة.
..............................................
أحب الله
أعشق أمي
مناجاة طفل.
.............................................
كنوز العالم
تحت مخدة طفل
و صور قديمة.
.............................................
تحت المطر
يَدُكّ الأرض دكًّا
طفل صغير.
.............................................
غائب أنا
عين إبني على الباب
شوقا ينادي.
.............................................
من هذا؟
مشيرا إلي
أبني يسأل.
..............................................
أيهما أقوى؟
ناظرا إبني إلى الأعالي
متحديا الشمس.
.............................................
ليل عسعس
يد إبني الرضيع
خفية تتلمسني.
.............................................
بقلم: رشيد شرشاف.........................