السبت، 30 مايو 2015

أتحنو عليك قلوب الورى تلحين رشيد شرشاف


أتحنو عليك قلوب الورى تلحين رشيد شرشاف

أنشودة..أبيض أو أسود..تلحين وغناء..رشيد شرشاف

أنشودة..أبيض أو أسود..تلحين وغناء..رشيد شرشاف

أنشودة البارحة تلحين وغناء رشيد شرشاف

 أنشودة البارحة تلحين وغناء رشيد شرشاف

الثلاثاء، 26 مايو 2015

هشام الجخ - التأشيرة

هشام الجخ - التأشيرة

قصيدة:جحا...هشام الجخ

 قصيدة:جحا...هشام الجخ

لن تأتِ - محمود درويش

لن تأتِ - محمود درويش

فلسفة الحياة - كن جميلا ترى الوجود جميلا

فلسفة الحياة - كن جميلا ترى الوجود جميلا

أبو القاسم الشابي...سأعيش رغم الداء و الأعداء

أبو القاسم الشابي...سأعيش رغم الداء و الأعداء

ياودود أغثني تقديم و إلقاء:رشيد شرشاف

ياودود أغثني تقديم و إلقاء:رشيد شرشاف

أنشودة همسة عصفور تلحين وغناء رشيد شرشاف


أنشودة همسة عصفور تلحين وغناء رشيد شرشاف

دعاء يا فارج الهم تلحين رشيد شرشاف


دعاء يا فارج الهم تلحين رشيد شرشاف

الاثنين، 25 مايو 2015

نزار قباني - متى ستعرف كم أهواك يا رجلاً ؟

نزار قباني - متى ستعرف كم أهواك يا رجلاً ؟

متى ستعرف كم أهواك يا رجلا أبيع من أجله الدنيـــا وما فيها
يا من تحديت في حبي له مدنـا بحالهــا وسأمضي في تحديهـا
لو تطلب البحر في عينيك أسكبه أو تطلب الشمس في كفيك أرميها

أنـا أحبك فوق الغيم أكتبهــا وللعصافيـر والأشجـار أحكيهـا
أنـا أحبك فوق الماء أنقشهــا وللعناقيـد والأقـداح أسقيهـــا
أنـا أحبك يـا سيفـا أسال دمي يـا قصة لست أدري مـا أسميها
أنـا أحبك حاول أن تسـاعدني فإن من بـدأ المأساة ينهيهـــا
وإن من فتح الأبواب يغلقهــا وإن من أشعل النيـران يطفيهــا
يا من يدخن في صمت ويتركني في البحر أرفع مرسـاتي وألقيهـا
ألا تراني ببحر الحب غارقـة والموج يمضغ آمـالي ويرميهــا
إنزل قليلا عن الأهداب يا رجلا مــا زال يقتل أحلامي ويحييهـا
كفاك تلعب دور العاشقين معي وتنتقي كلمــات لست تعنيهــا
كم اخترعت مكاتيبـا سترسلها وأسعدتني ورودا سوف تهديهــا
وكم ذهبت لوعد لا وجود لـه وكم حلمت بأثـواب سأشريهــا
وكم تمنيت لو للرقص تطلبني وحيـرتني ذراعي أين ألقيهـــا
ارجع إلي فإن الأرض واقفـة كأنمــا فرت من ثوانيهــــا
إرجـع فبعدك لا عقد أعلقــه ولا لمست عطوري في أوانيهــا
لمن جمالي لمن شال الحرير لمن ضفـائري منذ أعـوام أربيهــا
إرجع كما أنت صحوا كنت أم مطرا فمــا حياتي أنا إن لم تكن فيهـا

قصيدة لا تصــالح - أمل دُنـقل بـصوتـه

شعر حر الشرارة بقلم رشيد شرشاف
اراك دوما ترشف السراب
تشتاق للمهد حضناً يكشف الضباب
وترتدي ثوب الردى سنيناً
تنزف كالارحام كالصهارة
تثور
تسترخي
اسى
عذاب
كالشمع بين الخبو و الشرارة
 عزف المجانق بقلم رشيد شرشاف
  • و سمعته يصف الهوان يذمه
  • و يقول لا كف الدمع٠
  • في عينيه تركض شهوة الغد أدمعا٬
  • وشرود يومه بين أسراب الطيور كساه ريشا،
  • يعتلي بالنفس و الجسد الأسير٠
  • طاف الزمان و بعض صحبه،
  • و اصطفى من ركمه شهبا،
  • و سافر بالأثير٠
  • مستمسكا بغد٬
  • يسوق الناس للغد كالضرير٠
  • ما طاف غير دروب منبته الكسير٠
  • بالسيف٠٠
  • بالسيف الصروم الصلد تنزاح القيود،
  • و أضلع الزمن العسير٠
  • و سمعته يعظ الرجال الصم،
  • يخبرهم بأسرار الكون،
  • زمنا طويلا،
  • يرتدي صخب الزمان شرارتين
  • من الغدير،
  • فيضا من البرق البعيد مدى،
  • ينير باقتين من الدهور
  • نزلا من الأفق المديد من المجيد،
  • يبيد أسوار العصور٠
  • وجفت ضمائر
  • واكتفت أُخَر بنجواها
  • على فُرُشِ السرير

السبت، 23 مايو 2015

شعر حر ليس ذنبي بقلم رشيد شرشاف

شعر حر ليس ذنبي بقلم رشيد شرشاف
أسراب ليلي كالضباب
تلفني
تغتالني ليلا مسافرا
بين أسراب المرايا
ساكبا زمن العصور على يدي
بعد الخراب.
أغتاظ إذ تغتالني أشواطا
تنسف أضلعي نسفا
و تمنحني العذاب.
أغتاظ إذ تغتالني بينما
دموعي كالجمار
أخطو إلى الغد كالغبار
تسوقني زمنا خنيق النفس
بين الشوك تنشئ مرفئي
..................................................
قد ضاع من ألف ردى
عزفا غوى كالهمس
يصدح كلما زاد الردى خسفا
نفس تعوي تحت الرمس
قد ضاع الذي ألف الكأس البخس
يجتاز الزمان بغير حس
من جرح صار يكوي كالشهاب
..................................................
أسرار قلبي بعثرت
زمنا طويلا
بين الخلائق فجرت
تسقي الشعوب بنبضها
و تفتح بابا من حديد
يخفي شرور العابرين
وجروح قلبي قبل فرحي
وابتسامي
ما كفت أوراق أسفاري
كلام الآن و الأمس
ما كفت أوراق كتابي
حروف دمي
و دمع الآخرين

شعر حر: رقصة الموت بقلم:رشيد شرشاف

شعر حر رقصة الموت بقلم:رشيد شرشاف
وردة فاضت جمالا في ظلام الغاب يوما
تشتهيها لوحة الفن العريق
ترتوي من فائض النبع اشتياقا
والظلال السمر أرخت رمشها سهوا من الجدع الوريق
والندى غطى صباحا
روضة الغاب النسيق
من سماء تعتريها
نشوة البعد السحيق
كم شجاها عطفهم وامتد حبا في ثناياها عظيما
فانتشت أوراقها حد البريق
والرياح الخُُضر حَملاً لقحتها
فارْتََضتْْ عن خاطر رطب العشيق
فاستوى في قعرها خمرا شهيا
كل ما يسقيه دوما من رحيق
يرتدي في كل ريح مسك عشق
يحمل النحل الكثير اللف حملا كالعقيق
يرتوي من كأسها حينا و حينا
ينثر الطيب اللذيذ الذوق نثرا بالعروق
كم سقاه الورد طيبا
يسكب الشهد الأنيق الرسم كالماء الدفوق
وارتضاه الورد نبعا
دائما يروي عروق الشهد كالقلب الخفوق
فاشتهاها وارتوى منها فغنى
يطرب الأسماع بالصوت الرقيق
راقصا بين الروابي ناشدا أحلى كلام
شاكرا عطف الرفيق
تائها بين الأغاني ليس يدري
أيها يلحقه بالذكر الخليق
غافلا عن رصد نار تعتريها
رعشة الأحقاد كالقلب الصفيق
تكتفي بالشر نبعا
كلما فاضت سرورا روضة الغاب الصديق
ترتوي من ناره الحرى و تلقيها كتنين طليق
تبتغي نثر اللظى نثرا من القعر العميق
تببتغي نشر اللظى جمرا كشمسٍ
تصطلي عند الشروق
تبتغي فرش الروابي بالجحيم الأحمر القاني كبركان مفيق
تبتغي منْع العشيق الغر من رشف الرهيق
يُصعق النحل الخنيق النفس كالنفس الزهوق
يحتمي بالصمت من غم محيق
ناظرا للروض مصعوقا كئيبا كالحميق
طائرا صوب الأعالي
مثقلا يبكي بضيق
حائرا يشكو هوانا
ليس يشفى كالحريق
سائلا خلق الورى عن ذنبه العاتي ويعوي كالغريق
داعيا لفع اللظى للسلم باللسن الرشيق
راجيا صفحا وصلحا
غير أن النار ترميهم بلفح حارق يكتظ بالشر العتيق
لا تبالي بالفِراشِ الأخضر الغض الشفيق
أو تبالي بالجمال الفائض الطيب النسيق
بل تثور الثورة العظمى و تُردي كل خَلق الروض كالسيل الدلوق

نبض الفؤاد النضر بقلم رشيد شرشاف


        نبض الفؤاد النضر                      بقلم رشيد شرشاف

يا ناسيا رنات نقر المطر
بين السحاب الحر يغفو صوت ناي تحت نبع السفر
الحق نشيد الصدى
اسمع حفيف الشجر
الحق شريد الندى
اسمع خفيف الوتر
لاتقتنع بالنظر !
بين السحاب الحر يغفو صوت ناي تحت نبع السفر
قد غنت الاطيار اشعارها
و الصبح لاينتظر .
وامتصت الازهار اسرارها
والسر كم ينتشر
فاسعد فما غير الفؤاد الغض يسعد ; قد سقاك القدر!
بين السحاب الحر يغفو صوت ناي تحت نبع السفر
رصع سماء النهى
بالنفس نهر يرتوي بالدرر
كم تسحر القلب الشريد الربى
والنفس ان تاهت زمانا بين نبض الخافق المنشطر
فامنح لباحات الفؤاد الهدى
لا تقتنع بالسهر !
بين السحاب الحر يغفو صوت ناي تحت نبع السفر

الجمعة، 22 مايو 2015

قصة قصيرة:سيد بدوي...بقلم رشيد شرشاف

قصة قصيرة:سيد بدوي...بقلم رشيد شرشاف
بقدم إلتوى كاحلها،سار "سيد بدوي" تحت الشمس المحرقة،خطواته مرتعشة ومتعبة،وعيناه شاردتان تنظران إلى اللاشيء في غير إكثرات.
مرت بالقرب منه سيارة فارهة ،كادت أن تدهسه،فٱنتفض في هلع وتوقف وهو ينظر في دهشة إلى السائق الذي تجاوزه كحشرة دون إهتمام،وٱنتبه إلى أنه واقف وسط الشارع،فعبر إلى الجهة الأخرى في سرعة وقد فارقه شروده،ثم حك مؤخرة رأسه في حيرة وواصل طريقه.قسمات وجهه جامدة لا تنبئ بالنار القائظة بداخله،وحركة العربات الكثيفة يصم زئيرها المزعج أذنيه.
رفع يده اليمنى فوق عينيه وشكل منها حاجزا يقيهما من أشعة الشمس،ثم أخذ ينظر إلى الشارع الطويل الممتد أمامه،وخيل إليه أن المسافة بين ورشة البناء التي كان يعمل بها إلى وقت قصير وبين بيته،قد أصبحت أطول مما كانت عليه،والشارع أصبح متصاعدا أكثر من ذي قبل وصعب المسير.
تنهد في إعياء وأخرج من جيبه منديلا رثا ،أخرقا،مختفي الألوان من كثرة إستخدامه،ومسح به العرق عن جبينه،ثم مرره على رأسه الأصلع بسرعة،وأعاده في حنق إل مكانه،ورفع يده مرة أخرى وهي فارغة إلى خده الأيسر،وأخذ يتحسس في غيظ آثار صفعة قوية،وجهت له هذا الصباح من طرف مقاول البناء مسعود البوهالي بسبب إسقاطه لأحد أكياس الإسمنت وتبعثر محتوياته أثناء إلتواء كاحله المباغث.
كانت شمس الظهيرة في أوج عطائها ،وكان مسعود ذو الأربعين ربيعا، قد أتى للتو لمراقبة أشغال البناء،لباسه فاخر كالعادة رغم عدم تناسق الألوان،وجهه حليق به بعض البتور القديمة العهد،شفتاه غليظتان كصوته الأجش،يعلوهما أنف ضخم ،وعينان حادتان كالصقر،ينبوع شباب متنقل،وقرارات صارمة لا ترحم.سقوط كيس الإسمنت أمام عينيه الثاقبتين ،جعله ينفذ الحكم فورا وبقسوة ودون رحمة خاصة أن سيد بدوي دافع عن نفسه ،ورد له الصفعة بأخرى أشد منها، لكن حرقة الإهانة ظلت تنهش قلب سيد خاصة أنها تمت أمام أصدقائه العمال،وأتبعت بطرده شر طردة ،وحرمانه من أجرته ،والتوعد بالإنتقام منه ،دون أن يجد الفرصة لكي يثأر لكرامته الممرغة في الوحل،ويقتص منه ليس بصفعه فقط بل وبٱفتراسه ونهش لحمه بمافضل له من أسنان من دون أي شفقة أو رحمة.
أبعد يده عن خده،ورفعها إلى الأعلى،وأخذ يلوح بها في حركات عنيفة و فارغة ،كأنه يحارب عدوا عتيا،لكنه وجد الناس ينظرون إليه في دهشة و فضول وربما في إزدراء،فتوقف عن حركاته الغريبة ،وتابع سيره في هدوء.
خطواته حائرة ومتعبة،ودقات قلبه تخفق بشدة،كأنها تدق ناقوس الخطر.إن توقفه عن العمل سيخلق له مشاكل عديدة،ستذهب عنه النوم لأيام طويلة ما لم يجد عملا آخر وفي أسرع وقت،فمدخراته القليلة من المال لن تعيل عائلته إلا أياما قليلة،وأصدقاءه الذين يمكن الإستدانة منهم كلهم فقراء مثله أو أكثر،ولن يستطيعوا مساعدته إلا بالنزر القليل من المال وهذا لن يحل المشكلة.
جال بنظره حوله، وظهرت على وجهه علامات الإستعطاف والتوسل ،وهو يراقب الناس الذين يمرون حوله دون أن يبالوا به أو يكثرتوا بنظراته المتتبعة،المتفحصة،كأنه يدعوهم لمساعدته وإخراجه من ورطته،ولما لم يجد منهم نظرة إهتمام ،حول نظره إلى الأرض ،وهو يتأسف على أيام شبابه الضائعة.
وقتها كان قويا ،صلب العود،يساعد الضعيف حتى وإن لم يكن يعرفه، وكان يستطيع أن يحمل كيسين من الإسمنت على ظهره بدل كيس واحد دون أن يتعب أو يسقطا منه،ولم يكن أحد يجرؤ على الإعتداء عليه أو يخطئ في حقه أو يسيء إليه ولو بكلمة واحدة،لكنه الآن أصبح عجوزا ،ولم تعد له نفس قوة شبابه،وأصبح عرضة للإهانة في كل وقت.
تنهد في إعياء ،،وأخذ ينظر إلى يديه الخشنتين،ويتأمل الخدوش الصغيرة ،الكثيرة ،المحفورة عليهما في إعتزاز يسيطر عليه الكثير من الحزن والألم،مستحضرا الأعمال الكثيرة التي قام بها من أيام شبابه إلى الآن،لقد قضى عمره كله بورش البناء ،يعمل بجد ونشاط وحب ،دون تعب أو تبرم، ولو بأجر زهيد ،المهم هو تجنب مد اليد للناس ،لم يكن يتصور أنه سيأتي يوم يصبح فيه عجوزا،فيَهِن جسده ويضعف،ويصبح غير قادر على الإتيان بالأعمال الشاقة جدا كما كان في شبابه.
بسط يديه أمام عينيه،ونقل نظره من الخدوش المحفورة عليهما ،الشاهدة على كفاحه الطويل إلى العروق البارزة ،ثم إلى اللحم الجاف العجوز،وزفر زفرة حارة تحمل كل الأسف القابع بداخله ،في شبابه لم يكونا بهذا الشكل بل كانتا ناعمتين ،غضتين ،قويتين،لا تخدش سطحهما الرقيق خدشة واحدة،لكن..الآن أصبح الوضع مختلفا وتغير كل شيء.
لقد بدأت تنكشف أمامه الآن حقيقة مؤلمة جدا.دوام الحال من المحال.ينبوع الشباب ينضب مع الوقت،وجسده النحيل قد بدأ في الأفول،لكن ما باليد حيلة،هذا حال كل من يعتمد في كسب رزقه على قوته الجسمانية فقط.بقليل من الذكاء والحظ،وكثير من القسوة والأنانية كان يمكن أن يكون مثل مسعود،هو يذكر أول مرة أتى فيها إلى الورشة،لقد إبتدأ من الصفر، لكنه في أقل من عشر سنوات تدرج في المناصب إلى أن وصل إلى أعلى المراتب ،ومع ذلك فعيشة البساطة والقناعة التي يعشقها سيد ،والبحث عن اللقمة الحلال ومعاملة الأصدقاء بالطيبة والتسامح،كانت تشعره بالسعادة والحبور ،فهل هو محق في تصرفه هذا؟
تنهد في حسرة ،و أخذ يحرك أصابع يده حركات مرتعشة ،غاضبة،تكشف عما يجول في خاطره من ثورة و تمرد،يجمعها بشدة لتكون لكمة ويبسطها على آخرها لتكون صفعة،راقه الأمر فأخذ يكرر ذلك مرات و مرات،وتملكته النشوة للحظات فبدأ يشعر بقوة خارقة تسري في جسده وتتحكم فيه ،إنفعالاته في أقصى توترها،والآلام التي كان يسببها له كاحله الملتوي تبددت،فأصبحت خطواته قوية،رشيقة ،سريعة كما في شبابه،وحرقة الإهانة التي خلفها مسعود في صدره،تحولت إلى إصرار رهيب على النضال من أجل عائلته وحمايتها من الضياع مهما كلفه الثمن.
تابع سيره بقوة رجل في ريعان شبابه،وٱنسابت من عينيه نظرة متحدية،قوية،مصممة على المضي في طريق الكفاح الطويل ،وفجأة..شعر بجسم صلب يصدمه بقوة في جانبه الأيسر ،ويرفعه فوقه ليرتطم رأسه بحاجز زجاجي ينكسر عند الإرتطام ليطير جسمه إلى الأعلى،ثم يسقط على الأرض متدحرجا بشدة،حاول الوقوف،لم يقدر، رأسه يسيل منه الدم الدافئ بغزارة،وجسده يؤلمه كثيرا،جال ببصره حوله فوجد كل شيء قد إصطبغ بلون أحمر شفاف،الناس الحمر يحيطون به من كل جانب،وخلفهم تقف سيارة أكثر إحمرارا،مكسورة الزجاج الأمامي,سار على أطرافه الأربعة ،وتشبث بأحد أرجل الملتفين حوله،وبدأ في الوقوف وهو يصيح في ألم:آآه ...عائلتي..آه لا..ستضيع..ستتشرد..لن أسمح بذلك..لن....
ثم سقط على الأرض غارقا في دمائه وسط ذهول الجميع،رأسه أصبح ثقيلا جدا ،والسواد المترتب عن إنطباق جفنيه على مقلتيه،أخذ يمتزج بالحمرة المنسابة على عينيه ويلفها من كل جانب ليمنع عنها الرؤية ،وقواه خائرة،وأصوات الملتفين حوله تخترق أذنيه في وقت واحد،متداخلة مع بعضها البعض ،مكررة كصدى صوت آت من فج عميق،مزعجة،غير مبال بها،ومغمغما بكلام غير مفهوم.
ـ إنه يهذي.
ـ سأطلب الإسعاف.
ـ لم يكن الذنب ذنبي لقد ظهر أمامي فجأة فلم أستطع تجنبه.
ـ غريب أمر هذا العجوز، إن قدرته على التحمل كبيرة جدا رغم إصابته البالغة.
ـ لقد كان يسير شاردا..أنا رأيته ومستعد لأن أشهد بذلك.
ـ ٱهتم بنفسك ..لم يطلب أحد منك الشهادة.
ـ أأكد لكم لم يكن الذنب ذنبي ومع ذلك فأنا مستعد لمصاريف العلاج ولأي تعويض يطلبه.
وأخذت الأصوات تخفت شيئا فشيئا،والكلمات تتداخل مع بعضها البعض لتصبح بدون معنى،وقبل أن يفقد الوعي تناهى إلى سمعه صوت سيارة الإسعاف آتيا من بعيد ،فأراح جسده على الأرض في هدوء فساد السكون....

الأربعاء، 20 مايو 2015

جراحات الفؤاد بقلم:رشيد شرشاف


جراحات الفؤاد  بقلم:رشيد شرشاف

 جراحات الفؤاد لها حريق
شكا قلبي ينوء بها يضيق
قست أيدي الزمان على فؤادي
فمايجدي أأسكر أم أفيق
بلا صبر بلا جلد إلاهي
تزيد النائبات فهل أطيق
غريب ينزف الدم من جناحي
عليل الصدر ينهشني حريق
شهيد أنشر الدم بالأراضي
أسير الليل يتبعني الشروق
رشيد يأنف الفم من سكوتي
كسير النفس يرفعني السموق
شريد يسعد الغد من أنيني
أثيب النازلات بما يليق
أقول الشعر من شجن و وهن
وقول الشعر يحضنه الذليق
أريق النثر من علل و حزن
ونبع النثر يحمده الشفيق
يفوح العطر من قلمي و جلدي
و فيض العطر يرغبه الخليق
ففيضي يا نوائب بالعطايا
تفيض النفس و الأدب العريق.

شعر حر: حروف النار بقلم:رشيد شرشاف



شعر حر: حروف النار  بقلم:رشيد شرشاف
من أجل شبر بالطريق ينيره
احتاج أن يسعى و يركضَ
بين صمت الليل قسراً
نافضا صخب النهار مع الثرى
عبر الطريق.
من أجل شبر بالطريق الوعر
حطم مكمن الخوف
بأفئدة العروق.
من أجل شبر من طريق الغد
خطى نحو العريق
يرنو إلى الزمن العتيق
يضم كل مشاكسات الفن
و العقل المسافر في الجنونْ.
من أجل ذلك صمدت
حرفا
شقوق النار
تحتضن الرمادْ
تصبو إلى الرصف
يوما كالفجر المجروح
تصبو للصفاء عنيدة كالبحر
ترتاد المصائر كالمرايا
تطويها كل وقت كالجواد.
من أجل هذا وحده
صمدت دهورا
تحيى على أمل الخطى
يجتاحها خجل الخطى
فتأسر أرواحا عصورا
تمشي بها نحو الجديدْ
كمنت دهورا بين سفر
وانتظار
تحمل المشتاق للخلد
إلى نبع من النار
تصطلي بالروح عبورا
تفيض شذا
على كل العباد.

قصيدة الشاعر بقلم رشيد شرشاف

قصيدة
الشاعر
بقلم رشيد شرشاف
سأعيش بين الصدر و الأصداء
كالشاعر المفتون بالأنواء
أشدو كما الأطيار تسكب لحنها
سكرانة بالصبح و الأضواء
مسرورة مشتاقة لجنانها
مسحورة بالفجر و الأنداء
و أعيش قرب النهر أهجر أدمعي
و أسِرُّ بعض قصائدي لسمائي
وأصيخ للقطر السماوي الذي
يسقي بقلبيَ روضة الأسماء
و أبيح للجسد السرابي الذي
تسمو به الروح التي بدمائي
ريش الحمائم و العنادل كلما
طافت بقلبيَ أحرف الشعراء
و أطوف بالأدواح و الفم باسم
كالشمس مشرقة على الأرجاء
و أسير بين الورد و الأشجار
كالنهر يحيي ميتة الأشياء
و أعيش كل الوقت كل العمر
في الغاب لا أرجو ربى الأحياء
متوغلا في ذات نفسي مثل
صبح بهي خارق للماء
متغزلا بالفجر والأسحار
أرتاد روض العزة الشمّاء
متمنيا للعشق و الأزهار
دفئا سرى من روحيَ اللألاء
و أقول للجسد الذي لا يرتوي
عش بعض أجوائي بكل حيائي
عش شاديا كالطير تحتضن الربى
عش سرمديا بالربيع النائي

الأحد، 17 مايو 2015

قصة قصيرة القرار الأخير بقلم رشيد شرشاف

قصة قصيرة القرار الأخير بقلم رشيد شرشاف

خط فاصل

المشهد الأول

كنا رجالا ثلاثة، لا نفترق إلا لماما . تجمعنا سلطتا الفقر و النثر، في كوخ يوجد على أحد أطراف البلدة.
لا يهم تحديد الجهة بالضبط،أهي الجهة الشرقية؟أم الغربية؟أم....؟!
المهم أننا كنا نسكن خارج البلدة:يعني كنا مهمشين فكرا وأحلاما وآمالا!
لم يكن لدينا الحق أن نطالب بأي حق،أو أن نقول ها نحن اسمعوا منا نبأ الجوع و التهميش ،
إننا عرفناهما و خبرناهما فأصبحنا علماأخبراأ،نزاول عملنا ليل نهار على الرغم منا ونستدر الألم جهارا.

كنا نجتمع أوقاتا عديدة،نستل الأقلام من جيوبنا الفارغة إلا منها ، ونبسط الأوراق البيضاء على الأرض،
ونتبارى أينا أقدر تعبيرا على تصوير شظف العيش و البؤس ،والبيوت القاتمة اللون،
واللحوم العارية المقشعرة من شدة البرد،الملتحفة بأنجم الليل ، المفترشة الأرض المتربة.
بصراحة كنا نفوز دائما ولا يكون فينا خاسر ،كيف لا ومصير أبطالنا مرآة لليلنا في كل آن؟

المشهد الثاني

لكن دوام الحال من المحال،و إذا شاء الله أن يرزق العباد، يرزقهم من حيث لا يعلمون.
تغيرت الأمور و أصبحنا رجالا ثلاثة لا نجتمع إلا لماما، تربطنا خيوط أوهى من خيوط العنكبوت.
أولنا استلم وظيفة مرموقة بإحدى الشركات الكبرى، و ثانينا هاجر عاملا إلى الخارج،
و ثالثنا تزوج من عجوز غنية ،تمتص منه رحيق الشباب ، و يستدر منها الأموال الطائلة.
نسينا في غمرة الأحداث ماضينا أو تناسيناه. لم نعد نذكر الأيام الباردة.
امتلأت الجيوب بالأموال، وصرنا رجالا ثلاثة، تلهينا الأيام كما تشاء.
عرفنا حلاوة العيش و خبرناها،فأصبحنا متوردي الخدود.
مستدفئين آناء الليل.منتعشين في الصباح..نسينا استلال القلم،و أصبحت عقولنا بيضاء كأوراقنا المهجورة .

المشهد الثالث

في أحد الأيام شاءت الأقدار و الصدف أن نلتقي.كلنا مرآة للآخر.عيوننا ميتة كزجاج أخرس.
قلت:المال يطفئ الحياة بالعيون
قالا بصوت واحد:نعم والقلب إن تشأ تعتريه شجون
قلت: ليس الأمر بيدنا كنا أناسا محرومين
قالا: كذلك نقول ولسنا بلائمين
قلت: يدي ترتعش لا أعرف لها سكونا
قالا: من البرد؟أم من رنين المال؟ أم من الحنين؟
قلت: لا أعرف..حقا لا أعرف
وٱفترقنا على أمل اللقاء.

المشهد الرابع

في ليلة مقمرة،ساقتني قدماي إلى الكوخ القديم.
توقفت عند الباب و الدموع تنهمر من عيني.كل شيء باق كما كان.
لون الجدران القاتم. الأرض المتربة. الرطوبة العفنة.دخلت.وجدت ثلاثتنا بالداخل.

قصة قصيرة أنين الأرض بقلم رشيد شرشاف

قصة قصيرة أنين الأرض بقلم رشيد شرشاف
الإهداء:إلى أولائك الذين سقوا الأرض بدمائهم كي يطرح حرثها يوما حقا مشروعا و سلاما
وحيدا كنت في الغرفة أو مع بعض من أقربائك،ستجلس في أحد المساءات الباردة أمام شاشة التلفزة ،تستمع لنشرة الأخبار،وأنت ترتعد من البرد أو من هول الأحداث.ستستمع لأخبار حروب تقع في أماكن مختلفة من العالم،وستئن و تتألم لمجرد معرفتك بأن هناك ضحايا أبرياء يموتون من دون أي سبب ،سوى لأن القدر جعلهم محاصرين في منطقة الصراع.
ستتناهى إلى سمعك من حين إلى آخر،أخبار أناس يشتركون معك في الدين و اللغة و التاريخ،يتعذبون و يتألمون،و لكن ما من مغيث.ستتوه و تحتار و يحاصرك ألف سؤال و سؤال،لينقذك في الأخير صوت المذيع المنبعث من التلفزة،وهو يقول في غموض:وقد أظهرت آخر الأنباء أن الوضع ما زال كما هو عليه .ستتساءل فيما بينك وبين نفسك عن هذا الوضع الذي يتحدثون عنه ،وسيجيبك المذيع بابتسامة كبيرة:و لقد جاءنا خبر مستعجل اللحظة من مراسلنا الصحفي يقول بأنه قد سُمعت طلقات نارية في البلد المسلم المغتصب الذي يوجد به ،أحدثت ضجة بين سكانه،وجعلت عويل نسائه يختلط بعويل سيارات الإسعاف التي غمرته من كل جانب ،وهذه صور من منطقة الأحداث.
وتظهر على الشاشة صور غريبة تعجز لغة الكلام عن التعبير عنها ،تخط حكاية حبرها دموع شيوخ ويتامى وثكالى إنفجرت لتبحث لأحداثها عن مستقر .تتسرب إلى قلبك العطوف فتود لو تنفجر بالبكاء ،أو تبتلعك الأرض إلى غير رجعة،لكنك تتمالك نفسك و تصيح في ألم حقيقي:أين إتحادكم يا مسلمين ؟أين عزتكم يا عرب؟أينكم يا من بيدهم الأمر؟فلا تجد من مجيب!
تضيق بمن حولك وتضيق الغرفة بك، إذ تجثم مشاكل قومك و أمتك على صدرك ،فتذهب إلى الخارج متسكعا تبحث لهم عن حل.
تنتقل من شارع إلى شارع و تتوه بين الدروب ،وفي الأخير تصل إلى مقهى تجلس فيه.تنتظر إبتسامة النادل..وحين يحضر ويسألك عن طلبك تقول له راجيا:أريد لقومي عزة و سلاما.فينظر إليك باستغراب ويعيد طرح سؤاله عليك،لكنك تظل على نفس قولك،فيطردك من المقهى وهو يضرب كفا على كف ويغمغم:ربنا إحفظنا وذرياتنا من هوس المجانين،ثم ينصرف إلى تلبية باقي الطلبات.
وتظل أنت وحدك منبوذا في الشارع لا حول لك ولا قوة،تنتظر من يحقق لك مطلبك،ويجيبك عن تساؤلاتك ،فلا تسمع غير صوت الريح،فتتحرك من مكانك إلى جهة لا تعلمها.تضع كفيك في جيبي سروالك،وتسير بخطى سريعة كي تدفئ جسمك،وعندما تصل إلى مكان عاج بالناس،وتراهم يسيرون في كل اتجاه،تتوقف أنت،وتستجمع قواك،وتصيح بأعلى صوتك:يا قوم لم هذا الإختلاف في المسير..هيا نتخذ طريقا واحدا نسلكه يكون فيه اتحادنا و قوتنا.فينفجر الجميع بالضحك ويتابعون مسيرهم،ولا يبقى منهم غير شخص واحد يأخذك جانبا و يقول لك :يا بني كيف نسلك طريقا واحدا ولكلٍ منا طريقه؟تصمت أنت من هول المفاجأة كأنك لم تتوقع مثل هذا الجواب.
وتغيب في بحر الذكريات فتتداعى أمامك أيام مجد قومك الغابرة،وأحلام ماضيها في أن تكون نبراسا منيرا لباقي الأمم ،وتستفيق فجأة على إرتطام كأس فارغة أمام قدميك ،فتجد الرجل قد إنصرف،وأمام عينيك مباشرة حانة عاجة بالناس ،منها إنطلق الكأس .لا تسمع منهم تأسفا ولا إعتذرا..
ينتتابك غضب شديد ،لكنك ستكتمه في صدرك،وتحاول أن تبتعد كثيرا عن هذا المكان،وعن أي مكان قبل أن تصاب بالجنون والغثيان،فتستسلم أنت للهزيمة ويستسلم الآخرون،ولا تبقى غير الأرض ترى حال بنيها وتتألم،وتبكي على مجدهم الضائع

قصة قصيرة رجل بلا قيد بقلم رشيد شرشاف

قصة قصيرة رجل بلا قيد بقلم رشيد شرشاف
ذات ليلة باردة والناس نيام،و النوم مفارق عيني،و لا أحد في المنزل غيري،و السكون يلف المكان،والشوارع خالية من الناس،والسماء ملبدة بالغيوم،والقمر يطل في استحياء ـ مرة بعد مرة ـ من بين السحب ،و الأرض تدور دورتها جهة المشرق ،والفجر قريب،والشمس لا حظَّ لها في الظهور هذا اليوم،و أنا جالس على كرسي قرب المدفأة في يدي كتاب،و أنا أنظر في شرود إلى السطور المتراصة فوق بعضها البعض ،المكونة من كلمات صغيرة كالنمل،وأنا منقبض الصدر مشغول البال،اشتهـــيت أن أخرج إلى الشارع و أنا مرتدٍ قميصا خفيفا و سروالا قصيرا،و أصرخ بأعلى صوتي و أجري و أضحك،وأكسر مصابيح الإنارة ،و ألعن الناس كمجنون فقد عقله،تماما مثلما كنت أفعل وأنا طفل صغير،فتشدني أمي من أذني بشدة ـ دائما تشدني من نفس الأذن ـ حتى أصبحت أظن أن لي أذنا أطول من أخرى ،و تقول لي:
ـ هذا عمل شائن لا يليق بالتلميذ المهذب
و أصبحت مهذبا محروما من عنف الطفولة و حماقاتها
ـ الطفل المهذب لا يتصرف بحمق
أرتدي الملابس و أخرج تاركا مصابيح المنزل منارة و الباب مفتوحا
ـ الطفل المهذب يقفل الباب عند الخروج كي لا يسرق بيته لص
أنزل السلالم.تخترق جمجمتي ذكريات الشباب.
ـ أنت رجل طيب ،و مهذب، ولطيف ،و فريد، ومتميز، و تقدر المسؤولية، و تعاشر الناس بالمعروف، و تواجه الحياة بجلَد، لكنك لا تثير ا هتمامي
لسلالم مظلمة.أنزل ببطء.ببطء أكثر من اللازم
ـ أنت لا تساير العصر
أغني بصوت دافئ أعهده في
ـ أريد رجلا متحررا
أحاول أن أشوه صوتي.أفلح فتخرج الألحان مشوهة
ـ يجب أن تكسر القيود
أسمع حركة داخل بيت الجيران
ـ عن أي قيود تتحدثين؟
تزداد الجلبة داخل بيت الجيران،فأرفع صوتي بالغناء
ـ النظام، والحياة الهادئة ،والعيش بالمعروف، كل هذه قيود
يُفتح الباب.تطل جارتي في انزعاج فأختبئ.تلعن المزعج وتتوعده بالإتصال بالشرطة
ـ ما تريدينه هو الفساد بعينه
تصفق الباب،فأظهر من جديد و أنا أكتم ضحكة شريرة.أصعد وأدق بابها بعنف،ثم أفر هاربا وسط الشتائم والتهديدات.يتلقفني الشارع الخالي.أسير في خيلاء،وأحرك يدي في مرح.
ـ أنت وقح ولا تعرف كيف تعامل النساء.
أرى على مقربة مني أمام ورشة بناء كومة حجر.أجري نحوها كطفل صغير، وأملأ جيوبي بها.
ـ وأنت امرأة حمقاء مستهترة.
أرفع رأسي إلى السماء كمؤمن يناجي الله تعالى قبل طلوع الفجر.تنزل قطرة مطر على عيني ،وتنزل عبر الخد إلى الذقن.أشعر بالوحدة.أشعر بالغربة.أشعر بالضياع،ويلف جسمي برد قارص.أخفض رأسي قليلا،فتجتدب بصري أضواء أعمدة النور.أبتسم وآخذ من جيبي حجرا ،وأرميه صوب أحد المصابيح ،فينكسر وتتسع ابتسامتي.كم أنا بارع في التصويب!وأصوب نحو مصباح آخر فينكسر.حقا أنا بارع ،وتتالى الإنكسارات،ويعم الظلام شيئا فشيئا،فتلف النشوة جسدي.أصيح وأصرخ ملئ صوتي:
ـ أماه لماذا أنجبتني؟!
أسمع جلبة في بعض البيوت.لا أهرب.تضاء بعض مصابيح الغرف.لا أهرب.تطل بعض الوجوه.لا أهرب.أنظر إلى الكل في احتقار،وأرجمهم بما تبقى لي من حجر.يثورون ضدي.
ـ أماه أنقذيني!
أهرب .ترعد السماء،وترميني بحبات المطر
ـ أماه...دثريني!
أرتجف كعصفور صغير سقط من عشه على أرض ندية.
ـ كم أنا خائف !
أختبئ في مكان ما.
ـ بل مذعور
ملابسي مبللة عن آخرها.
ـ بل مرعوب
أظل مختبئا حتى تخمد ثورة السكان.يلفني السكون.أهدأ.ينتظم تنفسي بالتدريج.تنبعث من عيني شرارة،و يحرق القلبُ صدري كجدوة نار،و تنهمر الدموع ساخنة من عيني فأبكي بحرقة.
ـ أماه لقد أصبحت طريدا،غريبا،منبوذا،فأين هي دعواتك لي بالفلاح؟
ينتفض جسدي فجأة وتتوقف دموعي.أشعر بالدوار و الحمى.أخلع قميصي المبلل بالعرق والمطر،وألفه حول رأسي لأتداوى بالذي هو الداء.أنظر حولي في شموخ كفارس عربي قديم،ثم أجري بين الأزقة بأقصى ما أستطيع.أقف.مازلت أحس بالدوار.تخترق أسماعي موسيقى وضحكات آتية من حانة قريبة عاجة بالناس،فيزداد إحساسي بالدوار.أراقب المكان في ٱندهاش.لم أر هذا المكان من قبل قط!ترى هل هو أحد بيوت ألف ليلة وليلة أم ماذا؟
أراقب في فضول.أشم رائحة الحرية التي حدثتني عنها يوما إحدى النساء.أبتسم في سخرية.يخرج ثلاثة سكارى.رجلان وامرأة .الملامح غير واضحة.يتمايلون في مشيتهم من شدة السكر.غير قادرين على المشي بشكل طبيعي.أفكر :
ـ ماذا يحدث لو رآني أحدهم؟حتما سيعتقد أنني متسول حقير.
أفكر بصوت مسموع:
ـ إنهم سكارى لا يفقهون الآن شيئا،ربما اعتبروني أميرا عربيا،أو حاكما هنديا،والدليل العمامة التي على رأسي:قميصي المبلل الذي أستخدمه في وظيفة طبية.أرتاح لهذا الرأي وينتابني شعور بالزهو .يودع الرجلان المرأة ويمران بمحاذاتي دون أن يشعرا بي،وتتخذ المرأة طريقا آخر وهي تلوح لهما مودعة وتضحك في خلاعة.أتبعها .لا تشعر بوجودي.أحاول أن أتبين ملامحها.أنكشف،وتشعر بوجودي.تتوقف،وتستدير نحوي.أصدم بمعرفتها،فيغلي الدم فورا في عروقي .
تخاطبني في حياء يخالطه سكر وثقل باللسان:
ـ هذا أنت؟ كيف حالك؟
ثم في ٱرتباك واضح:
ـ ما...ماذا تفعل هنا؟
أتجاهل سؤالها و أقترب منها أكثر.تظهر ملامحي الغاضبة جليا مع انبلاجة الفجر،فتقلق وترجع خطوة للوراء.تسألني في خوف:
ـ ماذا بك؟ما..ماذا حدث لك؟
ذاكرتي غائبة بين صفحات الماضي.لا أجيبها.أقترب.أمسك بيدها،وألطمها على وجهها.تنظر إلي في دهشة .فتلطم جدار ذاكرتي أقوالها القديمة.
ـ أنت لا تساير العصر
ألطمها مرة ثانية فتند عنها آهة مكتومة.
ـ أفكارك رجعية.
ألطمها مرة أخرى .تسقط على الأرض.
ـ النظام والحياة الهادئة والعيش بالمعروف كل هذه قيود.
أنقض عليها ككلب مسعور.تستنجد.
ـ أماه ..لست مذنبا ،هي السبب فيما يحدث.
ألكمها .تصرخ بقوة.ألكمها بقوة.
ـ أماه لقد ضعت.ينتبه رواد الحانة والسكان.ألكمها بقوة أكثر.تفقد الوعي.أتابع لكمها.ينقض علي الناس.
ـ أيها الأوغاد ،دعوني أمارس حريتي ولو مرة واحدة في حياتي.
ألكم الكل .يلكمونني من جميع الجهات.أصيح و أبكي .. يتابعون ضربي.أسقط .يكفون عن ضربي .فألعن كل الناس....

قصة قصيرة:لعنة زبيدة الشوافة بقلم:رشيد شرشاف

قصة قصيرة:لعنة زبيدة الشوافة بقلم:رشيد شرشاف
استولت الشمس على مكان شاسع وسط السماء .كانت فيما يبدو قريبة جدا من سطح الأرض ولعل هذا ما جعل جدتي تؤكد ـ بالدليل القاطع ـ دنو الساعة ،خاصة بعد امتناعي عن السخرة لها في ذلك الصباح، وهروبي خارج المنزل للعب مع أصدقائي ،دون الإلتفات إلى تهديدا تها بسجني عند عودتي ، ومنعي من دريهماتها التي تستغلها أيما ٱستغلال في لوي ذراعي،وتطويعي وفق إرادتها الصلبة .ورغم التهديدات والإغراأت فإنني تمردت عليها هذا الصباح ربما من أجل التمرد من حيث هو تمرد فقط ،أو لكي أثبت ذاتي و شخصيتي وقوتي التي أستمدها من حكاياتها الغريبة و العجيبة التي تحكيها لي كل ليلة ، أو ربما لإغراآت الأصدقاء بالخروج واللعب معهم ،والقيام بالمغامرات والإكتشافات الجديدة .
 كان برنامجنا في ذلك اليوم التوجه إلى دار زبيدة الشوافة *1 ليست الدار دارها بالتحديد وإنما كانت قد ٱكترتها لبضع سنين من صاحبها بأجر يقال أنه يصل إلى الضعف ،ومنذ سنتين قبضت عليها الشرطة بتهمة قتل زوجين لجآ إليها من أجل مساعدتهما على الإنجاب ،أو بتهمة مسخ زوجين إلى قردين ،لست أدري..هناك تضارب في الأقوال ولعل القول الثاني هو الصحيح *2 .
كانت مهمتنا تتلخص في الجلوس واحدا واحدا على عتبة باب دارها وقتا كافيا يثبت شجاعتنا وقوتنا على ٱرتياد المخاطر،لكننا وقعنا في مشكلة عويصة وهي من الذي سيتقدم أولا ويخوض التجربة ،فقد كان القرار صعبا،فأن تتحول إلى قرد أو أي شيء آخر أمر ليس بالسهل،خاصة وأن الكل يجزم ـ كبيرا وصغيراـ بأن لعنة زبيدة الشوافة تطال كل من يقترب من هاته الدار،والدليل على ذلك بقاؤها خالية كل هذا الوقت دون أن يسكنها أحد،فكيف تحضر الشجاعة والقوة والأمر خطير بهذا الشكل؟ لقد كانت حكايات جدتي هينة وأقل خطورة بالمقارنة مع ما يحدث الآن .لقد أصبحت الآن طرفا في الأحداث وهذا شيء جديد بالنسبة لي .
من قبل كنت أتصور أنني بطل لا يقهر .أقهر التنين العملاق ،وأخرج الغول من داره،وأحمل السيف البتار ،وأقضي على المتمردين ،ولعل هذا ما جعل الأصدقاء ينصبونني زعيما عليهم ،مستمدين الأمان مني ،ومتشبثين بأهداب مملكتي الوهمية ،مصدقين كل ما أحكيه لهم عن بطولاتي وٱنتصاراتي الخيالية التي كنت أستمدها من حكايا جدتي،ولعل هذا ما زاد من قلقي وخوفي على مكانتي بينهم ،ويبدو أنهم شعرو بما يدور في خلدي ،فحولو أبصارهم نحوي بترقب وفضول ،منتظرين خطوة شجاعة مني أثبث بها قوتي الخارقة.
تقدمت خطوة و تقهقرت ،و تقدمت و تقهقرت ،وصوت بداخلي يهمس لي أن زعامتي أصبحت بين كفي عفريت .لا حظت نظرات السخرية التي بدأت تطفو على الوجوه ،و استطعت أن ألمح بوادر التمرد الخفية التي ٱعترت بعض الأنفس التي تنتظر كل فرصة للإنقضاض علي وسحب بساط الزعامة مني.لاحظت ذلك كله و قررت أن أتصرف بأي شكل كان ، وحاولت قبل أي تصرف أن أرد ثقتهم بي و أمنع كل شك بمقدرتي ،و حاولت لأجل هذا أن أستعين بحيل كل الأبطال والفرسان الذين حكت لي عنهم جدتي .نطت في رأسي فكرة ،فالتفت إليهم ،وثبت نظري عليهم ثم قلت ببطء :
ـ أيها الأصدقاء ..إن ما نقوم به اليوم أمر خطير جدا ،يستدعي تفكيرا عميقا قبل الإقدام عليه ،فالأبطال الشجعان يغلبون الحكمة على القوة ،والخطوة المدروسة عن المتهورة ،فصبرا قليلا..ثم ببطء أكثر:
ـ أصدقائي لا تخشو شيئا ،وضعوا ثقتكم بي ،إن لعنة زبيدة الشوافة ستنتهي اليوم على يدي ،فصبرا ريثما آتيكم بسلاحي الفتاك من غرفتي السرية المتواجدة بقبو بيتي .
وتفرقنا وأنا كلي حيرة وقلق ،لقد ٱستطعت أن أأجل لحظة المجابهة واختلقت كذبة وجود سلاح بقبو بيتنا ـ رغم عدم وجود القبو بالمرةـ فإلى متى هذا التأجيل؟.
عدت إلى المنزل شاردا ،ناسيا توعدات جدتي بالإنتقام التي ماإن رأتني حتى حبت من غرفتها إلى البهو على أربع كالطفل الصغير وصاحت بي:
ـ جئت يا متعوس .تتركني بدون معين وتهرب.الله يمسخك.
صدمت هذه الكلمة الأخيرة طبلة أذني بشدة ،وشوشت علي تفكيري،فاعتبرتها نذير شؤم و نبوءة محققة من جدتي *3.
تابعتها بشرود وهي تعود إلى مكانها حبوا ،ولم أحاول إسترضاءها كمثل كل مرة ،واخترت مكانا قصيا من الغرفة،وجلست كالصنم بدون حراك.خلايا تفكيري خاملة بل مشلولة كليا .لا تتفاعل مع بعضها البعض ولا تعمل،وفقدي ثقة الأصدقاء بي وولائهم لي أصبح وشيكا.وحدها جدتي يمكنها أن تساعدني لتخرجني من هاته الورطة ،لكن الثمن سيكون غاليا .تأنيب وضرب واستغلال وكرامة ممرغة في الوحل.هذا شيء كثير لا يرضاه أحد لنفسه.تنهدت بحسرة وأخذ دبيب الكره لزبيدة الشوافة يسري في جسدي كالسم،فشعرت بالإعياء والتعب ،وانقبض صدري، وبدأت أنظر حولي بحزن،وأثناء مرور بصري على أثاث الغرفة ،توقف هنيهة على قبعتي ،وفجأة وقفت كمن لدغته عقرب ،وصحت :وجدتها..وجدتها.وأخذت أنط كال...كالقرد
عادت جدتي للحبو من جديد وهي تصيح مستنكرة:
ـ الله يمسخك..الله يمسخك.ألا تعرف الهدوء أبدا؟!
لكنني تجاهلتها وحملت قبعتي وخرجت مسرعا.
مازالت السماء صافية ،والشمس تحركت بضع سنتميترات عن مكانها بنظرة القرون الوسطى ،والأرض دارت قليلا بنظرة القرون الأخيرة،والحال مازال كما هو عليه بنظرتي،والأصدقاء ٱجتمعوا قبلي دون علمي،وأنا أسير نحوهم بثقة وفي يدي قبعتي،والمغامرة لم تنته بعد ،ولحظة المجابهة أصبحت وشيكة ،والصمت مخيم على الكل ،والعيون المتسائلة مصوبة نحوي.حييتهم بإيماءة من رأسي،وقلت بمكر وأنا أرفع قبعتي عاليا:
ـ هل تعرفون ما هذه؟
أجابوا ببلاهة:
ـ نعم إنها قبعة !
قلت:
ـ صدقتم..لكن مالاتعرفونه هو أن هذه القبعة سحرية وتمنع السوء عن مرتديها .
ثم خفضت صوتي قليلا كأنني أخبرهم بسر عظيم ،واستطردت:
ـ بصراحة ما من مغامرة خضتها من قبل إلا وكنت مرتديا قبعتي السحرية ،فهي من أثمن كنوزي.
ثم رميتها نحوهم فأخذوا يتفحصونها بذهول ،ويمررونها بينهم كشيء مقدس ،فقلت لهم بلطف أفتقده فيَّ :
يمكنكم تجربتها وأنتم تجلسون على عتبة بيت زبيدة الشوافة.
توقفوا عن العبث بها ،ونظروا إلى المنزل بحذر فقلت مشجعا:
ـ هيا لا تخافوا ،كونوا شجعانا مثلي..إنني أحقق لكم فرصة فريدة ،و نادرة الحدوث.
مرّ الوقت بطيئا وهم مترددين ،سال خلاله عرق غزير مني.كنت كمن يتعلق بقشة وهم وسط بحر من الخوف،لكن أحدهم تهللت أساريره وقال:
ـ سأجربها أولا.
راقبناه بحذر وهو يرتديها،وتراجعنا إلى الخلف خطوة وهو يتقدم نحو العتبة،فشعرت بتأنيب الضمير وأنا أرى أحد أصدقائي يرمى إلى التهلكة ،وشعرت بوخز كدبيب النمل يملأ جسدي كله،فرأيته بعيني الواهم يمسخ قردا،وشعرت بقلبي يكاد يقفز من صدري ،فهممت أن أوقفه وأعترف لهم بكذبي،لكن الوقت فات وصديقي جلس على العتبة.نظر إلينا ضاحكا ثم صاح:
ـ أصدقائي لقد ذهبت لعنة زبيدة الشوافة إلى غير رجعة..
تهللت أسارير الكل ،فأخذوا يتسابقون لتجربة سحر القبعة ،فنظرت إليهم غير مصدق ،وأخذت أراقبهم وأفحص وجوههم كلما جلسوا على العتبة.

صدقت حينها قوة سلاحي السري ،وجربته على نفسي،ومنذ ذلك الوقت والأصدقاء يثقون بي وبكل ماأقوله..*4

*1ـ الشوافة تعني باللهجة المغربية المشعودة التي تقرأ الطالع وتفك العقد
*2ـ في حكاية أخرى يقال أن الزوج وحده مُسخ إلى قرد ،أما الزوجة فقد نجت وهي التي بلغت الشرطة.
*3ـ في الحقيقة لقد كنت شبه متأكد بل متيقن من هذه النبوؤة،فقد كنت كثير الحركة واللعب والنط داخل البيت ،فتجد جدتي في كل مرة تقول:إهدأ يا قرد!...كف عن النط كالقرد...يجب أن نضعك في قفص كي تهدأ.. إلخ
*4ـ لم تستمر هذه الكذبة طويلا،فقد ظهرت بعد سنوات قليلة ـ على وجه كل منا ـ عدة شعيرات ـ على الذقن والشفة العلياـ و في أماكن أخرى من أجسادناـ فاتهمت بالخيانة والتسبب في مسخهم إلى قِردة، رغم تنبيهي لهم بأن هذا ماهو إلا علامة من علامات البلوغ.

الجمعة، 15 مايو 2015

قصة قصيرة:رجل لفظته الدنيا..بقلم:رشيد شرشاف


قصة قصيرة:رجل لفظته الدنيا..بقلم:رشيد شرشاف
"هو" إنسان خجول وجبان،يحيا وحيدا بين الناس،لا يكلمهم ،ولا يصادقهم،ولا يحب أن يعرف أخبارهم،أو يسمع شيئا عنهم..يعيش منسيا في غرفة حقيرة،مع بضع كتب ،وبضع أحلام يتيمة ،لم تأذن الحياة لها أن تتحقق،لتشعره بكيانه ،وبوجوده الضال عنه،منذ لفظته الدنيا من رحمها،وتركته تائها فوق الأرض
"هو"كان أقدر الناس على معرفة معنى الضياع..ضياع الأحلام ،وضياع الأجساد،وكان يستطيع أن يتكلم عنه بطلاقة،لساعات طوال،دون أن يتعب أو..يخجل،فقط لأنه يدركه منذ أن وعى معنى الحياة،ولأن كلامه عنه ،قد أصبح مألوفا لديه كإبتسامته الخجولة،أو كسلامه السريع على أصدقائه المقربين،وٱبتعاده عنهم بسرعة نحو غرفته،لينزوي فيها،كي يعيد بناء أحلامه وأمانيه من جديد.
مازال يذكر شعاره القديم الذي كان يطرب ويفرح له كثيرا وهو في سن المراهقة ،عندما كان يهتف به في هيام،كلما إختلى بنفسه،فيقف وقفة جليلة أمام المرآة و يصيح..أنا أحيا إذن أنا غير موجود.ثم ينفجر ضاحكا.
لم تكن الحياة بالنسبة إليه ،سوى مقبرة عظيمة ،مزينة بأجمل الزخارف ،تحمل داخلها ،أحلام الإنسان الساذجة،وبقايا أفكاره التي تثقل كاهل الأرض وكاهله.
"هو"يئن من أجل البشرية ويعطف عليها،هذا ما نبض به قلبه ذات يوم في ألم."هو"يئن عندما يرى تسابق الناس ،وتقاتلهم على حفن التراب،والسوائل السود،فيتمنى لو كانت الأرض كلها ملكه ،ليقسمها بينهم بالتساوي ،فلا يحذف من القسمة إلا غرفته الحقيرة،التي لا يحب أن يشاركه فيها أحد ،أو يأخذها منه،ويحب لو أخذ فوق نصيبه هذا،عملا يسد به رمق العيش..لا يهمه نوع العمل ،أو طبيعته،أو مشاقه،ف"هو"وإن كان حاصلا على شهادة جامعية ف"هو"ـ كمثل باقي العاطلين عن العمل ـ يحتاج إليه ولا يسعه إلا القبول والطاعة.
"هو" يحز في نفسه كثيرا ،أن يرى من دونه أقل شهادة،ينال أرفع المناصب سوى لأنه يعرف فلان،أو دفع مقدار كذا لفلان،أو توسط له أحد عند فلان٬ويبقى هو ومن مثله في دوامة واحدة،لا يخرجون منها إلا إلى قبر ،أو سجن، أو مارستان.والغريب في الأمر أنه وحزب العاطلين ـ كما يحب أن ينعتهم كلما أراد أن يداعب نفسه ـ كلهم أو أغلبهم من الذكور،فالإناث عنده يشكلن الأيادي العاملة ،المطلوبة في هذا القرن ،وأما أيادي الذكور فغير مرغوب فيها.
"هو"يكره النساء ،و يمقتهن ،ويعتبرهن السبب في بطالته،وفقره،وتسكعه،ويعدهن من أكبر شرور هذا العالم،ويعتقد أن خروجهن إلى العمل ما هو إلا وسيلة لتغطية هدفهن الأول ،الذي لا يجدن حرجا في البوح به ،وهو إرضاء شهواتهن إما بالزواج أو بغيره،فكل حركاتهن أكانت كلاما،أو صمتا،أوضحكا،أو بكاء،أو حزنا،أو فرحا،أو..نضالا من أجل الحرية كما يسمينه،ما هي إلا وسيلة للفت الإنتباه إليهن،لإطفاء نار الشهوة التي ترقص في صدورهن،فالعمل في حد ذاته لا يروقهن ،لأنه إذا طلب منهن ـ مثلا ـ العمل في أماكن لا يشغلهن إلا النساء لرفضن ذلك ،وٱنصرفن عنه، وفضلن إرضاء شهواتهن.
"هو" قرر أن يضيف إلى قائمة شعاراته، شعارا جديدا يقول أنه وراء كل رجل فقير إمرأة،لكنه عاد وفصله عن القائمة ،لسبب بسيط وهو أنه لا يحب أن يذكر إسم المرأة عنده بأي وجه كان ،وهكذا قرر أن ينتشل نفسه من براثن الفقر رغم أنوف الجميع،وكان مفتاح غناه الذي رأى فيه خلاصه ،وهداه إليه عقله هو التجارة.
حمل ذات يوم كتبه و ملابسه المهترئة إلى حيث يتجمع الباعة المتجولون،فأخذ مكانه بينهم ،وعرض بضاعته للبيع..ظل اليوم كله تحت الشمس المحرقة ،تلهب وجهه فتجعله أسودا كالفحم،يمر الزبائن مرور الكرام عليه ولا من مشتري،وفجأة وبدون سابق إنذار،تنقض على الباعة مجموعة رجال من الشرطة تخرج من سيارة أمن كبيرة،أخذت ملابسه ورمته بكتبه،وتابعت طريقها لإنتشال بقية الصيد..لم ينزعج من تصرفهم هذا ،فهو يؤمن إيمانا قاطعا ،بأن الشعب في خدمة الشرطة، ولكن الذي ضايقه هو إحتقارها لكتبه التي كان يعتز بها كثيرا وإنصرافها عنها، فهو يعلم أن ملابسه المهترئة عديمة القيمة ولا تستحق أن تعرض للبيع لكن كتبه التي صرف حياته كلها في جمعها وقراءتها والإعتناء بها لا يجب أن تحتقر هكذا،فلو أن الشرطة أخذتها منه وتركت له ملابسه أو أخذتها هي أيضا،لكان الأمر أهون عنده.
"هو"بات يعلم اللحظة لم بقي فقيرا..
"هو"بات يؤمن أنه يحيا في زمن لا يؤمن بأمثاله،ولهذا سيظل وحيدا بين الناس و..فقيرا،سيعيش منسيا في غرفة حقيرة مع بضع كتب وبضع أحلام يتيمة ،لم تأذن لها الحياة أن تتحقق ،لتشعره بكيانه و بوجوده الضال عنه، منذ لفظته الدنيا من رحمها ،وتركته تائها فوق الأرض...

الثلاثاء، 12 مايو 2015

قصة قصيرة :لن أرحل أبدا ...بقلم: رشيد شرشاف

قصة قصيرة :لن أرحل أبدا ...بقلم: رشيد شرشاف

أعطني أذنا صاغية أعطيك صوتي،واحد زائد واحد يساوي إثنان،وثلاثة ناقص واحد يساوي إثنان كذلك.لم يتغير شيء منذ بدء الخليقة،الإنسان مازال كما هو ،والأرض تنبت الزرع والمال والبغض والصراعات بالمحاكم،وجدتي تعلمت الحساب بسوق البلدة ،وجدي لم يأت من الحقل بعد،وكل من على الأرض فان،وجيب بنطالي الأيمن فارغ والجيب الأيسر فارغ أيضا.
ذات يوم قال لي أحد الأشخاص أو قلت في نفسي أو تهيأ لي أو حلمت ـ والله أعلم ـبأنني أملك قصرا أو منزلا أو كوخا،فاحترق ذات ليلة أمام عيني،إهئ إهئ .. بكيت ،وضحكت مرة أو مرتين،ويقال أنني فقدت الوعي بعد ذلك،وعندما أفقت ،نسيت ما حدث لقصري أو منزلي أو كوخي،وٱنطلقت شاردا لا ألوي على شيء،إنطلقت بخط مستقيم،أقصر الطرق هي الطرق المستقيمة،وأقرب طريق إلى قلب الرجل هي معدته،وأقرب طريق إلى قلب المرأة هي صديقتها،وبعض ماأعرفه لا تعرفه،وكل ما تعرفه أعرفه،لا تغضب ولا تقل لي يوجد في النهر مالا يوجد في البحر،فأنا أحاول إستفزازك هذا كل ما في الأمر.
ذات يوم قالت لي أمي ـ وهي مبتسمة ـ أن الصبر مفتاح الفرج ،وتابعت ـ ووجهها يفيض طيبة ـ أن الصبر سلاح المؤمن،وتابعت ـ وهي تستشهد بمن سبقونا ـ أن الصبر مفتاح كل باب،فقلت لها أن للصبر حدود،وقبلت التربة التي تحت قدميها ثم خرجت.
ظللت أسير ربع قرن أو يزيد،ولم أتوقف إلا للضرورة القصوى،شاهدت خلالها شرطيا يصفع تاجر خضر لأنه يعرض بضاعته على الرصيف،وشاهدت معلما رمته اللوائح الإدارية بأقصى القرى ليعلم أبناءها ما لم يعلموا ،ورأيت ثلة من الناس يسقون الأرض بدمائهم ليطرح حرثها يوما خبزا وسلاما،ورأيتني أتخبط في المجهول،ورأيت ميزان القوى يصعد وينخفض ،ورأيت أهل عشيرتي يتخبطون أيضا،والأخبار تقول أن العرب تشرذموا ،ولعبة السلام مازالت مستمرة،والأمور تغيرت ،وأنا مازلت كما أنا، والحياة صعبة ،وكل شيء له حد،وطموح جدتي يفوق كل حد،والعلم نور والجهل عار،و..أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد،وجدتي تخطت عتبة الجهل،فتعلمت القراءة والكتابة أيضا،وأصبحت تطالب جدي بحقوقها المهضومة،وجدي ما زال يعمل بالحقل تحت الشمس المحرقة،وواحد زائد واحد يساوي إثنان،ومشكلة زائد مشكلة تساوي إنفجارا بجمجمة الرأس،ورأسي يطن بشدة،وللصبر حدود.
كنت أعلم أن زمني غير هذا الزمان،وأن من هم مثلي لا يرضوا عن أي زمان،وكنت أعلم أن بعض ما يحدث لنا هو ناتج عن سوء تدبير منا،أو عن سوء نية.دعنا من هذه العموميات،وقل لي هل تعبت من هاته الهلوسات؟ .لاتجب فأنا أعلم أنك مثلي تحب الكلام البسيط،والبوح الشفاف.هل أحكي لك حكاية؟إسمع إذن..
ذات يوم كنت أمتلك قصرا،أقصد بيتا،في الحقيقة لقد كنت أمتلك كوخا ـ لندع القلب يبوح بشفافية ـ و ذات ليلة حزينة كوشاح جدتي المهترئ ،احترق بفعل فاعل،ولم أنج إلا بصعوبة.إنها قصة حزينة أليس كذلك؟ عذرا إن مزاجي سيء اليوم،ربما أحكي لك نكتة أو حدثا مضحكا في يوم ما.
تعبت من المسير وحدي،وتحطمت أشياء جميلة بداخلي،فأصبحت جسدا ميتا يمشي بين الميتين.لا تخف فجسدك أنت حي يرزق،جسدي وحده ميت.
مر الربع قرن علي كئيبا،بلا مأوى فالكوخ إحترق.بلا أرض فالجسد مغترب.بلا جلد فالصبر محدود.طردت من أرض إلى أرض،وطعنت من كل الجهات.جسدي ينزف بغزارة والدم لا ينفذ.قلت:البداية كانت كوخا إحترق ،والنهاية بلا نهاية.النهاية نزيف متواصل،فمن أين يأتي الصبر،من إيمان أمي به؟يا أيها الجسد أجب..
إنتفضت الروح فتكلم الجسد.تحرك صوب الأهل.رمى مسافات الهروب وراءه وعاد.الحضن مفتوح منذ الأزل،والأرض الفانية عَوضُها جنة تحت القدم ـ قدم أمي وحدها وقدم أمك أيضاـ عدت للأرض المهجورة وفي جيبي قلم لا ينفذ مداده.ما قلت واحد زائد واحد يساوي إثنان،والأمور كما هي دائما لا تتبدل،فكل شيء يتغير،نحن الذين نصاب بالعمى ونقتل الجسد ،لا شيء يبقى على حاله.جدتي التي أعرفها جاهلة ،أصبحت تساعدني في إنشاء حكايا تروح عن النفس مرة وتحزنها مرات ـ وأنت من يتأثرـ وجدي تضاعفت أراضيه فأصبحت أساعده كلما سنحت لي الفرصة.فماذا بعد هذا؟بعده السلام....

الجمعة، 8 مايو 2015

قصة قصيرة:جعفر لن يأتي أبدا..بقلم:رشيد شرشاف

قصة قصيرة:جعفر لن يأتي أبدا..بقلم:رشيد شرشاف

قال إبن جالس:أسف كلها الحياة
قال إبن باك:إن معاناتها شديدة،كم يؤلمني ذلك
قالت إبنة منكسرة:المسكينة لثالث مرة هذا اليوم،نغير لها الحفاظات،إنها ليست على ما يرام.
قال إبن واقف:ألم يأت جعفر بعد،إنه أعز أحفادها،لابد أنها تتوق لرؤيته
على السرير أم عجوز،نحيلة،جسد مستكين من قماش و جلد و عظام،تلهث كعصفور صغير،جسد يكاد لا يكون فيه حياة ولا روح،يئن مرة بعد مرة و يتوجع،لا يستدير لا يمينا و لا شمالا،تفوح منه رائحة الموت و الألم،تتنفس بصعوبة،وتحاول أن تنطق ببضع أحرف،تقترب منها الآذان وتحاول أن تنسج منها كلمات تشي بمكنون هذا الصدر الرحيم.
تنبعث من الغرفة المقابلة آيات من الذكر الحكيم،كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة..يتذكر الجسد النحيل جعفرا و هو صغير،يتلو سورة الفاتحة بحماس طفولي.تبتسم له،وتحمله على ركبتيها ،وتضمه وتقول له:بارك الله فيك.ثم تنظر ضاحكة إلى إبنتها الكبرى،وتضيف وهي تربث على رأسه:سأجعل من حفيدي مؤنسا لي في وحدتي،وسبعا يحميني في شيخوختي،ويعوضني عن بعدكم عني،وجريكم وراء ملذات الدنيا و مطامعها.
ترتعش عيناها للحظة و تتأوه،فتمص الإبنة المنكسرة شفتيها للحظة،وترفع حاجبيها ،وتنظر إلى الإبن الواقف،وتدعوه لمساعدتها في تعديل وسادة الأم الرؤوم.
قال إبن جائع:لم آكل شيئا منذ البارحة،هل من شيء يؤكل؟
قال إبن باك:أين هي أوراق ملكية الأرض،يجب أن توضع في مكان آمن.تفهمون ما أعني!
قالت إبنة متوترة:ماذا تعني؟
تزداد الأم تأوها،و يبرد جسدها شيئا فشيئا،تنبعج الشفة العليا مع الشفة السفلى،فيقف الإبن الجالس،ويقدم لها رشفة ماء،وينظر إليها بحزن.تطوف بمخيلتها في رمشة عين،ضحكات جعفر،وقفزاته فرحا بهداياها يوم العيد،طفولته وصباه وشبابه،سفره المباغث إلى ماوراء البحار،إشتياقها له وإنقطاع أخباره،كل أصوات أبنائها موجودة إلا صوته هو..
وراء المخيلة، خلف الباب،بعد سبعة بحور،بعد شارعين من المرفإ،بين بنايتين،جسد مكوم قرب حاوية قمامة،يتقيأ خمرا لزجا،شرطي يدون:
الإسم:جعفر.
السن:خمسة و عشرون خريفا.
الحالة:سكر علني.

الاثنين، 4 مايو 2015

بطريقة جديدة وغير معهودة في إلقاء الأدعية  دعاء ختم القرآن تلحين وغناء رشيد شرشاف

الأحد، 3 مايو 2015

قصة قصيرة...أنا العريس....بقلم رشيد شرشاف

بسم الله الرحمن الرحيم
قصة قصيرة...أنا العريس....بقلم رشيد شرشاف
غابات من العيون تحيط بي،العيون و الآذان و الألسنة متربصة بي،والرؤوس تتمايل،و تستدير إلى جميع الإتجاهات.
متصدرا القاعة أجلس قرب عروستي..ممسسكا بيدها كسلطان في مواجهة رعيته.قالت لي:أنت هو بطلي،وقالت:كم أنا سعيدة لأنني فزت بقلبك،وقالت:لقد تعبت،لم أنم منذ ثلاثة أيام.أمسكت يدها بحنو كي تشعر بالأمان،نظرت إلي شاكرة،وعدلت لي ربطة عنقي.
جالس أنا السلطان ،أومئ برأسي لهذا و ذاك،وأقدم تحياتي،وبين الفينة والأخرى،أتفحص الوجوه .من هذا؟ومن تلك؟ فتقول لي ـ هي ـ ذاك إبن عم جدتي، وتلك صديقتي بدرية،لقد عشت معها أحلى أيام عمري،هل يمكن لي زيارتها فيما بعد؟
في الركن الخلفي لجمجمتي،تتراقص أفكار شريرة،تناوشني،وتلعب بأعصابي،وتمجد في رجولتي.إفرحي يا أنثاي وٱمرحي،أيام اللهو الماضية قد ولت،فأهلا بك في مملكتي.
الفرحة تنط في صدري،وتتراقص بين ضلوعي،أحب الشمس ،أحب القمر، أحب الليل،أحبك حبيبتي، أحبني.
أنظر إليها في إرتياح،تضغط على يدي وتبتسم
.نساء يقدمن التهاني،فرحات،نشطات،مباركات،ونساء يتغامزن في لؤم ومكر...هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا...جل النساء في النار إلا أمي وزهرة عمري..
مما يشغل القلب أن تجد بين الجموع،عينان في الخلف،عينا ذئب،عينا رجل تدوران في محجريهما، تنظران إلى الكل بمكر،غمزة هنا وغمزة هناك،أستحلفك آنستي سيدتي ألا تلتفتي إليه.نظرت إليه،إبتسم بكره،بادلته الكره أيضا.إنتشلتني إبتسامة والديَّ ،مطمئنة إياي،وبادلتهما نفس التحية.
على نغمات الديدجي ،أغان صاخبة،ودقات طبول تهتز لها الأبدان،إرتجاج بالعظام،وطنين بالأذن،مدت خالتي ـ أم العروس ـ يدها مباركة، وخلفها عمي ـ أبو العروس ـ مشجعا، ومباركا أيضا،ربَّ خالة وعم لم تلده لك جدتك..حييتهما بأدب.قالا:أنتما أجمل عروسين،وقالا:إعتنيا ببعضكما،وتشاركا في الحلوة والمرة،وقالا:لقد تم كل شيء على خير ما يرام،بالرفاء والبنين أحبتي.شكرتهما وقلت لهماإنني سأضعها في قرة عيني.
نظرت إليها فوجدتها مستكينة،مبتهجة،متوردة الخدين،لامعة العينين.عينا الذئب التي تلاحقني،تتفحصني ،وتراقبني بإصرار .عينان ضيقتان كخرم إبرة،لكنهما لا يهدآن أبدا.حاصرته بعينيّ أيضا،وحملتهما بعضا من كراهيتي،إبتسم،وخيل إلي أنه أومأ برأسه محييا،فلم ألتفت إليه.ضغطت على يد حبيبتي دون قصد،فنظرت إلي مستفهمة،لكنني لم ألاحظ ذلك.
غدا يوم جديد في حياتي عصر العزوبية قد ولّى وراح، وأسوار مملكتي سأبنيها حجرا حجرا،وجدارا جدارا،وكل من عليها سيمشي حسب قوانيني..إرهاق تام يجتاحني ،رغم شلال الفرح الذي يصب في شراييني،الكل فرح ،والكل شبعان،والبعض يتمنى لو تستمر بهجة العرس العمر كله،والبعض ينظر إلى الساعة مستعلما وقت ٱنتهاء الحفل،ناظرا إلى ما وراء الأفق، باحثا عن الفجر الوليد..
نسيم الصباح يدغدغ جسدي،ويخترق خياشيمي،صخب الليل يخفت شيئا فشيئا في أذني،والضوء يتلاشى في لحظة وجيزة فيعم الهدوء.غابات العيون تتراقص أمامي،تتقلص، وتتمدد ،وترسم أشكالا غريبة تحيط بي،أرى فيما يرى النائم ثعبانا أصفرا ،يخرج من بينها ،متوجها نحو عنقي كأنه يريد إيقاظي من نشوة العشق والفجر،أنقض عليه ،وأغرس أسناني فيه،أسمع صيحة عروستي متأوهة،أنتبه،أنظر إلى الرجل الذئب،فأجد إبتسامته قد إتسعت وغطت وجهه كله...
تم بحمد الله

قصة قصيرة :البكماء بقلم:رشيد شرشاف


ليل مرصع بالنجوم يتوسطه قمر،يلف القرية بالسكينة والهدوء.
تخترقه في لحظة من اللحظات صرخة امرأة متوجعة.تتنبه آذان القروين و القرويات،
فتتبع مصدر الصرخة في فضول، وتتحرك شفاههم مخبرة بمكانها، و تهتز رؤوسهم بعلامة الإدراك.

تتنقل بعدها بعض النساء إلى أحد الأكواخ حاملة الماء الدافئ و لفافات الثوب النظيفة. يدخلن ويوصدن الباب.
يمر الوقت بطيئا، و مع إنبلاجة الفجر، تخترق الأجواء صرخة طفلة مستقبلة للحياة.
تخرج النساء متعبات، فرحات، مهنئات رب الدار بالمولود الجديد، و تخبر أهل القرية بجماله المنقطع النظير.

عند اختراق أول شعاع شمس لتربة القرية الندية، يتوافد الأهالي على البيت مهنئين .
يدفعهم الفضول لرؤية هذا المولود الجميل فلا يتخلف منهم أحد.يصيبهم الذهول فيجزمون ألا صفاء مثل عينيه،
ويؤكدون ألا نضارة مثل وجهه.تنتفخ أوداج الأب و تفيض عيناه بالإعتزاز و الفخر،
فينطق لسانه دون تفكير باسم صفاء، و يلتفت إليهم و يقول: لقد اخترت لابنتي من الأسماء اسم صفاء.
ينال الاسم الاستحسان من طرف الجميع، وتنهش الغيرة بعض القلوب، لكن العيون تظل مبتسمة،
و الأفواه تلوك التهاني و تقذفها بغير حساب.

تمر الأيام والشهور و السنين ، وصفاء الجميلة تزداد جمالا يوما بعد يوم،
و تفيض نضارة ، تحسدها عليها القرويات الغيورات، الخبيثات ، النافثات للحقد بغير حساب.
تكبر صفاء و تكبر لوثة القلب في نفوسهن، و تكبر الحقيقة الخفية، و تتضخم لتنفجر في وجه الجميع.

صفاء البنت الجميلة بكمــاء، جمالها أخرس لا يطرب الآذان .
ترتاح القرويات، و تهنأ نفوسهن، و يحل النبأ كالصاعقة على أهلها.
يثور الأب،ويلعن أم صفاء، ويرميها بأقبح الألفاظ، و يضربها ضربا مبرحا؛
ليضع الحقيقة أمام عيني الابنة في أعرى صورها. تتألم و تحزن، فتذبل العينان و يصفر الوجه.

ينتفض قلب الأم و يدق ناقوس الخطر، فتأخذ ابنتها إلى أضرحة الأولياء الصالحين ، وإلى الحكماء ولكن دون جدوى.
تتقافز السنوات معلنة عسر الشفاء، و تتبدد الآمال، و تخفت نيران الحقد في نفوس القرويات ،
و تشتعل نيران الحزن في قلب صفاء، فتتفجر إبداعا على الورق: تتحول رسوما جميلة،
آسرة للنفس ، مشجية لها: ترسم ألسنة تحتضن الكلمات ،و عيونا تبكي دماء، ووجوها جامدة مكسورة أجزاء.
تفعل ذلك في كل لوحاتها وسط إطار طبيعي فطري خلاب.
تستيقظ الغيرة الكامنة بأفئدة القرويات، فينعتنها بالجنون والسحر،
و يحرضن الأهالي على منعها من الرسم: يردن إسكات صوتها إلى الأبد،
يردن إقبار جمالها الفتان، يردن قطع خيط الأمل الواهي بعنف وضيع،يردن قطع صلتها بالحياة.

لا ترضخ لمشيئتهن. تثور ، فتزداد لوحاتها شجنا و غزارة، لتتخذ الطبيعة لونا حالكا كزنجي أسير ودع الحرية إلى الأبد،
وتتكسر الحروف على الألسنة ، ووتتلظى بالنار، وتنبعج الوجوه و تتمطط ، فيغيب الشكل ،
وتتجمد التعابير لتصبح ممسوخة،فيستشيط الأهالي غضبا،ويهاجمون الكوخ،
وينتشلون صفاء من بين أدرعة والديها المتشبثة بها خوفا عليها، فييكبلونها ككومة قش يوم الحصاد،
ويرمونها أرضا،ويأتون بلوحاتها ، ويشعلون النار فيها، فتصعق صفاء و تصدم ، فتصيح فيهم بأعلى صوتها و تلعنهم،
وترثي حالها باكية وسط دهشتهم، دون أن تشعر أنها بدأت تتكلم فعلا،
تتكلم بلسان احتضن الكلمات سنينا طوالا ، فما عاد ممكنا إسكاته. 


                                                                                          بقلم:رشيد شرشاف

قصة قصيرة..الزيارة..بقلم رشيد شرشاف

قصة قصيرة..الزيارة..بقلم رشيد شرشاف
ٱستيقظت،ٱستيقظنا،ٱستيقظت أولا ثم أيقظت شبيهي،شبيهي الذي يسكن بمخيلتي،بمخيلتي يسكن،يتخذ أوراقي سكنا،سكنا يتخذها،أوقظه بجرة قلم،يستيقظ،وقبله أستيقظ أنا،آخذ قلما وأوراقامن درج مكتبي الصغير،وأكتب،آخذ ورقة وأكتب:ٱستيقظ شبيهي،بعد نوم عميق ٱستيقظ،ٱستيقظ بجرة قلم بعد أن ٱستيقظت،وٱتجهت توا إلى مكتبي الصغير،وأخرجت من درجه أوراقا وقلما،وكتبت بخط أنيق:ٱستيقظ شبيهي،فقط ٱستيقظ،ٱستيقظ فقط،ثم وضعت القلم على سطح مكتبي،وضعته برفق،وذهبت إلى المطبخ كي أجهز لنفسي فنجان قهوة،ذهبت ولم يذهب شبيهي،ذهبت وظل شبيهي مكانه،ظل جالسا على السرير ينتظر عودتي،لم أعد،لن أعود قبل أن أجهز فنجان القهوة،لن أعود،سأعود بعد أن أجهز فنجان القهوة،الفنجان الذي بشربه سأستطيع أن أكمل قصة شبيهي،شبيهي الذي على الورق،المنتظرني على حافة السرير،متى أرتشف فنجان قهوتي؟متى تستمر قصة شبيهي؟شبيهي الذي على الورق،الجالس على السرير.
فاضت القهوة من الإبريق الموضوع فوق النار المنبعثة من وابور الغاز،جهزت قهوتي وملأت فنجاني كله،ملأته بالقهوة الساخنة،وعدت إلى مكتبي ورشفت منه رشفة واحدة ووضعته،وضعته على سطح مكتبي،وأخذت قلمي.
عيني تتفحص جدران غرفتي في شرود،شبيهي ضاق به الجلوس على السرير،أكتب كلمة أو كلمتين أو ثلاث،أحاول أن أسير بأحداث القصة إلى الأمام،لا يعجبني ما أضفت من كلمات،أمحي الكلمات المضافة بسرعة،وأفكر في كلمات أخرى،أكتب إستيقظ شبيهي،شبيهي ٱستيقظ،عندما ٱستيقظ تذكر أن اليوم يوم عطلة فنام،هذا غير صحيح،عندما ٱستيقظ كانت الشمس المشرقة قد داعبت غرفته بلطف ،فنهض مبشورا ،سعيدا،لا يريد أن يضيع أي دقيقة،أي ثانية من هذا اليوم الجميل.جميل جدا،هكذا تكون البداية،يستيقظ شبيهي نشيطا،سعيدا،فرحا باليوم الجديد،يفطر أولا، ثم يرتدي ملابسه،ويذهب لزيارة صديقه عدنان،من عدنان هذا؟
يرتدي ملابسه و يذهب لزيارة أهله بالقرية،أهله المشتاق إليهم كثيرا،المشتاق إليهم،يذهب إليهم مشتاقا،مشتاقا يذهب إليهم،يذهب لزيارة أمه وأبيه،وأخته وأخيه،المشتاق إليهم،،فالمشتاق لا يخصه سوى النظر في وجه أهله والذهاب إليهم،لذلك فهو يذهب لزيارة أهله بالقرية.
شفت قليلا من القهوة،القهوة التي صببتها في الفنجان قبل قليل،القهوة التي صببتها أصبحت دافئة،وأنا لا أحبها إلا ساخنة،محرقة،متمنعة على شفتي،متدللة،تتطلب الصبرو المهارة في الرشف كي لا تحرق شفتي،يجب أن أصب الفنجان في الإبريق و أملأ فنجانا آخر،يتمنع ويتدلل ولا يحرقني في شفتي،الأمر يتطلب مهارة في الرشف ليس إلا.
رشفت قليلا من القهوة وعدت إلى الكتابة من جديد،أين وصل شبيهي؟آه سيذهب لزيارة أهله.
الجو جميل بالخارج،شمس دافئة،ونسيم عليل،ونشاط يسري بالعروق.لم يزر أهله منذ شهرين،شهرين متتابعين لم يطل بوجهه عليهم،منذ عين مدرسا بهاته القرية النائية ،لم يطل عليهم ولا مرة واحدة.ٱنشغل بالبحث عن مسكن،وترتيب أموره،وتعويد نفسه على العيش بهاته القرية،والتعرف على أهلها البسطاء،الظرفاء،لم يضايقه غير هذا المدير الذي يستفرد بالمدرسة،يريد أن يكون الكل في الكل،يتدخل في شؤون بعيدة عنه،متطفل مكروه هذا المدير،يضايق شبيهي ويخنق أنفاسه،يريد أن يتحكم فيه كباقي زملائه،لكن هيهات،شبيهي يابس العود،صلب القناة،قوي المراس،متين العرى،لا يتدلل لبغي البغاة.لحظة ،أين سمعت هذا الوصف من قبل؟أين؟آه إنه مقطع من بيت شعري لم أعد أذكر صاحبه،لا يهم ،المهم أن شبيهي لم يرضخ للمدير،وكاد الصراع ينتهي على شر،لولا مؤازرة الزملاء له،وتلطيف الجو بينه وبين سيادة المدير،أقصد سعادة المدير،المدير.
تابع شبيهي سيره بين الحقول مستمتعا بالجو الجميل،ناقلا بصره بين المشاتل،والأشجار المثمرة،وروعة البساتين،والأزهار الخلابة،مستمتعا بكل لحظة،بكل نسمة،بكل عطر،بكل نظرة،بكل خطوة،بكل شيء،وفجأة ظهر له من بين الأشجار شيطان صغير،أقصد طفل صغير،يتدلى من أحد الأغصان،وينظر إليه في حذر،طفل أصلع ليس له قرون كما الشياطين ،الشياطين وحدهم لهم قرون،كذلك بعض الحيوانات،والطفل الذي رآه ليس حيوانا ولا شيطانا،لكن أفعاله تفوق أفعال الشياطين،الطفل الذي رآه تلميذ مشاغب يدرس عنده ،الطفل الذي رآه ليس كباقي الأطفال،الطفل الذي رآه مجازا ينسب إلى الأطفال،الطفل الذي رآه تركيبة وجهه غريبة،الطفل الذي رآه رأسه مفطح،يتصدره أنف معقوف قليلا،يسيل منه المخاط بغزارة،وتحته مباشرة ـ تحت الأنف ـ هناك شفتان غليظتان،منتصبتان كجبلين عظيمين،وفوقه مباشرة ـ فوق الأنف ـ هناك عينان خبيثتان ،تركن براءة الأطفال جانبا،وتركل دهشتهم اللذيذة ركلة قوية،الطفل الذي رآه ـ الطفل الأصلع ـ كان يرميه بالطبشور حين يستدير إلى السبورة ليخط شيئا،ومع ذلك لم يكن يغضب منه بل كان يواجه التلاميذ ويقول لهم،أن من فعل هذا المنكر سينبت الشيب برأسه،ويصبح عجوزا أشمطا،لا يستطيع اللعب مثلهم،لأن شعره الآن ملطخ بالطبشور،شعره أصبح أبيضا كالثلج ،ولأن الطفل أصلع تماما،فإنه أخذ يمسح رأسه خفية،وحده يفعل ذلك،فيبتسم شبيهي.
توجه نحوه،وتكسر سن قلمي،فتوقفت عن الكتابة رغما عني،دائما يتكسر سن قلمي عندما أبدأ الحديث عن هذا الطفل في قصصي،يتكسر وأتوقف عن الكتابة لحظة قصيرة،أسترجع فيها ذكريات الطفولة البريئة،الخبيثة في بعض الأحيان،الحزينة أحيانا أخرى،أنظر إليها من جميع الزوايا،فتتعدد صور طفولتي لحد التناقض،تتعدد في ذاكرتي، وتتراكم،وتتزاحم،وتتصارع لتخرج صورة واحدة،تصور جانبا واحدا من طفولة متعددة الصورثم أعود للكتابة مرة أخرى.أبري القلم بالمبراة وأعود للكتابة،آخذ المبراة من درج المكتب وأبري القلم،درج مكتبي مليء بأشياء عديدة لا آخذ منها إلا المبراة لأبري القلم ثم أعود للكتابة،لكنني الآن سأحطم هذه العادة،سأسحقها،سأرتشف قهوتي أولا ثم أعود للكتابة،قهوتي التي أحبها ساخنة،متمنعة على شفتي لابد أنها الآن قد أصبحت باردة،لذلك يجب علي أن أملأ فنجانا آخر،سأرتشف القهوة ساخنة،سأفرغ الفنجان كله بجوفي كي لا تبرد قهوتي وبعدها أعود إلى الكتابة.متى أعود إلى الكتابة؟أعود إلى الكتابة حينما أرتشف فنجان قهوتي كله رشفة واحدة.متى أتم كتابة قصتي؟أتمها حينما أرتشف فنجان قهوتي.متى تقول؟حينما أرتشف قهوتي.الجواب صحيح،حسن جدا،هديتك العودة إلى الكتابة
وتوجه شبيهي نحو الطفل الأصلع المتشبث بغصن الشجرة،وأشار إليه أن ينزل فنزل بٱرتباك ،وأخذ ينظر إليه متوجسا،حاميا وجهه بكلتي يديه،عضلات وجهه متقلصة،ويديه وفريصتيه وساقيه كلها متقلصة،ورفع شبيهي يده إلى أعلى،وربت على رأسه بلطف مطمئنا إياه،وسأله عن سبب وجوده بهذا المكان،فأشار الأصلع إلى بيت قريب مكسور الباب لكنه مازال يفي بالغرض،وقال أن ذلك بيته،ونظر إلى الشجرة وقال أنها ملعبه،فٱبتسم شبيهي ،وٱبتسم الأصلع،وٱلتمعت أسنان شبيهي ،وبرقت صلعة الصغير،وسأله شبيهي عن مكان والديه،فأخبره الصغيرأنهما يعملان في الحقل،وقريبا سيلحق بهماليساعدهما ،وربما يترك الدراسة
فتجهم وجه شبيهي وندت عنه تنهيدة طويلة وقال له:حاول أن تتابع دراستك.هذا كل ماقال له،ثم أشار إلى الشجرة وحذره من مغبة السقوط منها،وعندما كان ذاهبا سأله عن أقرب طريق إلى محطة القطار،فأراه الطريق في حماس،فشكره شبيهي وتوجه إلى المحطة،شكره بابتسامة لطيفة برقت لها أسنانه اللؤلؤية،وودعه الطفل الأصلع ملوحا بيده ولم تبرق صلعته الملساء لأن الشجرة ظللت رأسه خفية.
وأكمل شبيهي طريقه،مستمتعا بالجو الجميل،ومداعبة النسيم العليل.صور الماضي تتلاطم في رأسه،وخضرة الحقول المحيطة به تزرع قلبه بالنشوة،والشوق إلى أهله يسرع خطاه.إخترق بعض الحقول،وصعد إحدى الروابي،فظهرت أمامه سكة الحديد،سار بمحاداتها قليلا إلى أن وصل إلى المحطة،فتوجه إلى شباك التذاكر،وٱشترى تذكرة،وماهي إلا دقائق حتى وصل القطار،فركبه وٱتخذ مقعدا قرب النافذة،وأخذ يشغل وقته بالتفرس في وجوه المسافرين،وبعد لحظات إنطلق القطار فتنهد في إرتياح و....رن جرس الباب ،فتوقفت عن الكتابة،وذهبت لأفتح الباب،وظل شبيهي جالسا على مقعده في القطار،هو يجلس وأنا أنهض من مقعدي،هو يخرج لزيارة أهله ،وأنا أظل في البيت بين أربعة جدران.ما هذا الشبيه الذي يخالفني في كل شيء؟..وفتحت الباب فوجدت عائلتي أمامي تنظر إلي مبتسمة،عائلتي الساكنة بعيدا عني،الساكنة بالقرية النائية،وجدت أبي وأمي وأخي وأختي،وجدت عائلتي.أسعدتني المفاجأة،فٱحتضنتهم بين ذراعي،وأدخلتهم وأنا أتكلم دون توقف،أدخلتهم وتركت شبيهي راكبا القطار،تركته ذاهبا إلى أهله،تركته وأنا أعلم أنه سيصل إلى أهله،طال الوقت أم قصر.حتما سيصل....