الثلاثاء، 12 مايو 2015

قصة قصيرة :لن أرحل أبدا ...بقلم: رشيد شرشاف

قصة قصيرة :لن أرحل أبدا ...بقلم: رشيد شرشاف

أعطني أذنا صاغية أعطيك صوتي،واحد زائد واحد يساوي إثنان،وثلاثة ناقص واحد يساوي إثنان كذلك.لم يتغير شيء منذ بدء الخليقة،الإنسان مازال كما هو ،والأرض تنبت الزرع والمال والبغض والصراعات بالمحاكم،وجدتي تعلمت الحساب بسوق البلدة ،وجدي لم يأت من الحقل بعد،وكل من على الأرض فان،وجيب بنطالي الأيمن فارغ والجيب الأيسر فارغ أيضا.
ذات يوم قال لي أحد الأشخاص أو قلت في نفسي أو تهيأ لي أو حلمت ـ والله أعلم ـبأنني أملك قصرا أو منزلا أو كوخا،فاحترق ذات ليلة أمام عيني،إهئ إهئ .. بكيت ،وضحكت مرة أو مرتين،ويقال أنني فقدت الوعي بعد ذلك،وعندما أفقت ،نسيت ما حدث لقصري أو منزلي أو كوخي،وٱنطلقت شاردا لا ألوي على شيء،إنطلقت بخط مستقيم،أقصر الطرق هي الطرق المستقيمة،وأقرب طريق إلى قلب الرجل هي معدته،وأقرب طريق إلى قلب المرأة هي صديقتها،وبعض ماأعرفه لا تعرفه،وكل ما تعرفه أعرفه،لا تغضب ولا تقل لي يوجد في النهر مالا يوجد في البحر،فأنا أحاول إستفزازك هذا كل ما في الأمر.
ذات يوم قالت لي أمي ـ وهي مبتسمة ـ أن الصبر مفتاح الفرج ،وتابعت ـ ووجهها يفيض طيبة ـ أن الصبر سلاح المؤمن،وتابعت ـ وهي تستشهد بمن سبقونا ـ أن الصبر مفتاح كل باب،فقلت لها أن للصبر حدود،وقبلت التربة التي تحت قدميها ثم خرجت.
ظللت أسير ربع قرن أو يزيد،ولم أتوقف إلا للضرورة القصوى،شاهدت خلالها شرطيا يصفع تاجر خضر لأنه يعرض بضاعته على الرصيف،وشاهدت معلما رمته اللوائح الإدارية بأقصى القرى ليعلم أبناءها ما لم يعلموا ،ورأيت ثلة من الناس يسقون الأرض بدمائهم ليطرح حرثها يوما خبزا وسلاما،ورأيتني أتخبط في المجهول،ورأيت ميزان القوى يصعد وينخفض ،ورأيت أهل عشيرتي يتخبطون أيضا،والأخبار تقول أن العرب تشرذموا ،ولعبة السلام مازالت مستمرة،والأمور تغيرت ،وأنا مازلت كما أنا، والحياة صعبة ،وكل شيء له حد،وطموح جدتي يفوق كل حد،والعلم نور والجهل عار،و..أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد،وجدتي تخطت عتبة الجهل،فتعلمت القراءة والكتابة أيضا،وأصبحت تطالب جدي بحقوقها المهضومة،وجدي ما زال يعمل بالحقل تحت الشمس المحرقة،وواحد زائد واحد يساوي إثنان،ومشكلة زائد مشكلة تساوي إنفجارا بجمجمة الرأس،ورأسي يطن بشدة،وللصبر حدود.
كنت أعلم أن زمني غير هذا الزمان،وأن من هم مثلي لا يرضوا عن أي زمان،وكنت أعلم أن بعض ما يحدث لنا هو ناتج عن سوء تدبير منا،أو عن سوء نية.دعنا من هذه العموميات،وقل لي هل تعبت من هاته الهلوسات؟ .لاتجب فأنا أعلم أنك مثلي تحب الكلام البسيط،والبوح الشفاف.هل أحكي لك حكاية؟إسمع إذن..
ذات يوم كنت أمتلك قصرا،أقصد بيتا،في الحقيقة لقد كنت أمتلك كوخا ـ لندع القلب يبوح بشفافية ـ و ذات ليلة حزينة كوشاح جدتي المهترئ ،احترق بفعل فاعل،ولم أنج إلا بصعوبة.إنها قصة حزينة أليس كذلك؟ عذرا إن مزاجي سيء اليوم،ربما أحكي لك نكتة أو حدثا مضحكا في يوم ما.
تعبت من المسير وحدي،وتحطمت أشياء جميلة بداخلي،فأصبحت جسدا ميتا يمشي بين الميتين.لا تخف فجسدك أنت حي يرزق،جسدي وحده ميت.
مر الربع قرن علي كئيبا،بلا مأوى فالكوخ إحترق.بلا أرض فالجسد مغترب.بلا جلد فالصبر محدود.طردت من أرض إلى أرض،وطعنت من كل الجهات.جسدي ينزف بغزارة والدم لا ينفذ.قلت:البداية كانت كوخا إحترق ،والنهاية بلا نهاية.النهاية نزيف متواصل،فمن أين يأتي الصبر،من إيمان أمي به؟يا أيها الجسد أجب..
إنتفضت الروح فتكلم الجسد.تحرك صوب الأهل.رمى مسافات الهروب وراءه وعاد.الحضن مفتوح منذ الأزل،والأرض الفانية عَوضُها جنة تحت القدم ـ قدم أمي وحدها وقدم أمك أيضاـ عدت للأرض المهجورة وفي جيبي قلم لا ينفذ مداده.ما قلت واحد زائد واحد يساوي إثنان،والأمور كما هي دائما لا تتبدل،فكل شيء يتغير،نحن الذين نصاب بالعمى ونقتل الجسد ،لا شيء يبقى على حاله.جدتي التي أعرفها جاهلة ،أصبحت تساعدني في إنشاء حكايا تروح عن النفس مرة وتحزنها مرات ـ وأنت من يتأثرـ وجدي تضاعفت أراضيه فأصبحت أساعده كلما سنحت لي الفرصة.فماذا بعد هذا؟بعده السلام....