الأحد، 3 مايو 2015

قصة قصيرة...أنا العريس....بقلم رشيد شرشاف

بسم الله الرحمن الرحيم
قصة قصيرة...أنا العريس....بقلم رشيد شرشاف
غابات من العيون تحيط بي،العيون و الآذان و الألسنة متربصة بي،والرؤوس تتمايل،و تستدير إلى جميع الإتجاهات.
متصدرا القاعة أجلس قرب عروستي..ممسسكا بيدها كسلطان في مواجهة رعيته.قالت لي:أنت هو بطلي،وقالت:كم أنا سعيدة لأنني فزت بقلبك،وقالت:لقد تعبت،لم أنم منذ ثلاثة أيام.أمسكت يدها بحنو كي تشعر بالأمان،نظرت إلي شاكرة،وعدلت لي ربطة عنقي.
جالس أنا السلطان ،أومئ برأسي لهذا و ذاك،وأقدم تحياتي،وبين الفينة والأخرى،أتفحص الوجوه .من هذا؟ومن تلك؟ فتقول لي ـ هي ـ ذاك إبن عم جدتي، وتلك صديقتي بدرية،لقد عشت معها أحلى أيام عمري،هل يمكن لي زيارتها فيما بعد؟
في الركن الخلفي لجمجمتي،تتراقص أفكار شريرة،تناوشني،وتلعب بأعصابي،وتمجد في رجولتي.إفرحي يا أنثاي وٱمرحي،أيام اللهو الماضية قد ولت،فأهلا بك في مملكتي.
الفرحة تنط في صدري،وتتراقص بين ضلوعي،أحب الشمس ،أحب القمر، أحب الليل،أحبك حبيبتي، أحبني.
أنظر إليها في إرتياح،تضغط على يدي وتبتسم
.نساء يقدمن التهاني،فرحات،نشطات،مباركات،ونساء يتغامزن في لؤم ومكر...هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا...جل النساء في النار إلا أمي وزهرة عمري..
مما يشغل القلب أن تجد بين الجموع،عينان في الخلف،عينا ذئب،عينا رجل تدوران في محجريهما، تنظران إلى الكل بمكر،غمزة هنا وغمزة هناك،أستحلفك آنستي سيدتي ألا تلتفتي إليه.نظرت إليه،إبتسم بكره،بادلته الكره أيضا.إنتشلتني إبتسامة والديَّ ،مطمئنة إياي،وبادلتهما نفس التحية.
على نغمات الديدجي ،أغان صاخبة،ودقات طبول تهتز لها الأبدان،إرتجاج بالعظام،وطنين بالأذن،مدت خالتي ـ أم العروس ـ يدها مباركة، وخلفها عمي ـ أبو العروس ـ مشجعا، ومباركا أيضا،ربَّ خالة وعم لم تلده لك جدتك..حييتهما بأدب.قالا:أنتما أجمل عروسين،وقالا:إعتنيا ببعضكما،وتشاركا في الحلوة والمرة،وقالا:لقد تم كل شيء على خير ما يرام،بالرفاء والبنين أحبتي.شكرتهما وقلت لهماإنني سأضعها في قرة عيني.
نظرت إليها فوجدتها مستكينة،مبتهجة،متوردة الخدين،لامعة العينين.عينا الذئب التي تلاحقني،تتفحصني ،وتراقبني بإصرار .عينان ضيقتان كخرم إبرة،لكنهما لا يهدآن أبدا.حاصرته بعينيّ أيضا،وحملتهما بعضا من كراهيتي،إبتسم،وخيل إلي أنه أومأ برأسه محييا،فلم ألتفت إليه.ضغطت على يد حبيبتي دون قصد،فنظرت إلي مستفهمة،لكنني لم ألاحظ ذلك.
غدا يوم جديد في حياتي عصر العزوبية قد ولّى وراح، وأسوار مملكتي سأبنيها حجرا حجرا،وجدارا جدارا،وكل من عليها سيمشي حسب قوانيني..إرهاق تام يجتاحني ،رغم شلال الفرح الذي يصب في شراييني،الكل فرح ،والكل شبعان،والبعض يتمنى لو تستمر بهجة العرس العمر كله،والبعض ينظر إلى الساعة مستعلما وقت ٱنتهاء الحفل،ناظرا إلى ما وراء الأفق، باحثا عن الفجر الوليد..
نسيم الصباح يدغدغ جسدي،ويخترق خياشيمي،صخب الليل يخفت شيئا فشيئا في أذني،والضوء يتلاشى في لحظة وجيزة فيعم الهدوء.غابات العيون تتراقص أمامي،تتقلص، وتتمدد ،وترسم أشكالا غريبة تحيط بي،أرى فيما يرى النائم ثعبانا أصفرا ،يخرج من بينها ،متوجها نحو عنقي كأنه يريد إيقاظي من نشوة العشق والفجر،أنقض عليه ،وأغرس أسناني فيه،أسمع صيحة عروستي متأوهة،أنتبه،أنظر إلى الرجل الذئب،فأجد إبتسامته قد إتسعت وغطت وجهه كله...
تم بحمد الله

قصة قصيرة :البكماء بقلم:رشيد شرشاف


ليل مرصع بالنجوم يتوسطه قمر،يلف القرية بالسكينة والهدوء.
تخترقه في لحظة من اللحظات صرخة امرأة متوجعة.تتنبه آذان القروين و القرويات،
فتتبع مصدر الصرخة في فضول، وتتحرك شفاههم مخبرة بمكانها، و تهتز رؤوسهم بعلامة الإدراك.

تتنقل بعدها بعض النساء إلى أحد الأكواخ حاملة الماء الدافئ و لفافات الثوب النظيفة. يدخلن ويوصدن الباب.
يمر الوقت بطيئا، و مع إنبلاجة الفجر، تخترق الأجواء صرخة طفلة مستقبلة للحياة.
تخرج النساء متعبات، فرحات، مهنئات رب الدار بالمولود الجديد، و تخبر أهل القرية بجماله المنقطع النظير.

عند اختراق أول شعاع شمس لتربة القرية الندية، يتوافد الأهالي على البيت مهنئين .
يدفعهم الفضول لرؤية هذا المولود الجميل فلا يتخلف منهم أحد.يصيبهم الذهول فيجزمون ألا صفاء مثل عينيه،
ويؤكدون ألا نضارة مثل وجهه.تنتفخ أوداج الأب و تفيض عيناه بالإعتزاز و الفخر،
فينطق لسانه دون تفكير باسم صفاء، و يلتفت إليهم و يقول: لقد اخترت لابنتي من الأسماء اسم صفاء.
ينال الاسم الاستحسان من طرف الجميع، وتنهش الغيرة بعض القلوب، لكن العيون تظل مبتسمة،
و الأفواه تلوك التهاني و تقذفها بغير حساب.

تمر الأيام والشهور و السنين ، وصفاء الجميلة تزداد جمالا يوما بعد يوم،
و تفيض نضارة ، تحسدها عليها القرويات الغيورات، الخبيثات ، النافثات للحقد بغير حساب.
تكبر صفاء و تكبر لوثة القلب في نفوسهن، و تكبر الحقيقة الخفية، و تتضخم لتنفجر في وجه الجميع.

صفاء البنت الجميلة بكمــاء، جمالها أخرس لا يطرب الآذان .
ترتاح القرويات، و تهنأ نفوسهن، و يحل النبأ كالصاعقة على أهلها.
يثور الأب،ويلعن أم صفاء، ويرميها بأقبح الألفاظ، و يضربها ضربا مبرحا؛
ليضع الحقيقة أمام عيني الابنة في أعرى صورها. تتألم و تحزن، فتذبل العينان و يصفر الوجه.

ينتفض قلب الأم و يدق ناقوس الخطر، فتأخذ ابنتها إلى أضرحة الأولياء الصالحين ، وإلى الحكماء ولكن دون جدوى.
تتقافز السنوات معلنة عسر الشفاء، و تتبدد الآمال، و تخفت نيران الحقد في نفوس القرويات ،
و تشتعل نيران الحزن في قلب صفاء، فتتفجر إبداعا على الورق: تتحول رسوما جميلة،
آسرة للنفس ، مشجية لها: ترسم ألسنة تحتضن الكلمات ،و عيونا تبكي دماء، ووجوها جامدة مكسورة أجزاء.
تفعل ذلك في كل لوحاتها وسط إطار طبيعي فطري خلاب.
تستيقظ الغيرة الكامنة بأفئدة القرويات، فينعتنها بالجنون والسحر،
و يحرضن الأهالي على منعها من الرسم: يردن إسكات صوتها إلى الأبد،
يردن إقبار جمالها الفتان، يردن قطع خيط الأمل الواهي بعنف وضيع،يردن قطع صلتها بالحياة.

لا ترضخ لمشيئتهن. تثور ، فتزداد لوحاتها شجنا و غزارة، لتتخذ الطبيعة لونا حالكا كزنجي أسير ودع الحرية إلى الأبد،
وتتكسر الحروف على الألسنة ، ووتتلظى بالنار، وتنبعج الوجوه و تتمطط ، فيغيب الشكل ،
وتتجمد التعابير لتصبح ممسوخة،فيستشيط الأهالي غضبا،ويهاجمون الكوخ،
وينتشلون صفاء من بين أدرعة والديها المتشبثة بها خوفا عليها، فييكبلونها ككومة قش يوم الحصاد،
ويرمونها أرضا،ويأتون بلوحاتها ، ويشعلون النار فيها، فتصعق صفاء و تصدم ، فتصيح فيهم بأعلى صوتها و تلعنهم،
وترثي حالها باكية وسط دهشتهم، دون أن تشعر أنها بدأت تتكلم فعلا،
تتكلم بلسان احتضن الكلمات سنينا طوالا ، فما عاد ممكنا إسكاته. 


                                                                                          بقلم:رشيد شرشاف

قصة قصيرة..الزيارة..بقلم رشيد شرشاف

قصة قصيرة..الزيارة..بقلم رشيد شرشاف
ٱستيقظت،ٱستيقظنا،ٱستيقظت أولا ثم أيقظت شبيهي،شبيهي الذي يسكن بمخيلتي،بمخيلتي يسكن،يتخذ أوراقي سكنا،سكنا يتخذها،أوقظه بجرة قلم،يستيقظ،وقبله أستيقظ أنا،آخذ قلما وأوراقامن درج مكتبي الصغير،وأكتب،آخذ ورقة وأكتب:ٱستيقظ شبيهي،بعد نوم عميق ٱستيقظ،ٱستيقظ بجرة قلم بعد أن ٱستيقظت،وٱتجهت توا إلى مكتبي الصغير،وأخرجت من درجه أوراقا وقلما،وكتبت بخط أنيق:ٱستيقظ شبيهي،فقط ٱستيقظ،ٱستيقظ فقط،ثم وضعت القلم على سطح مكتبي،وضعته برفق،وذهبت إلى المطبخ كي أجهز لنفسي فنجان قهوة،ذهبت ولم يذهب شبيهي،ذهبت وظل شبيهي مكانه،ظل جالسا على السرير ينتظر عودتي،لم أعد،لن أعود قبل أن أجهز فنجان القهوة،لن أعود،سأعود بعد أن أجهز فنجان القهوة،الفنجان الذي بشربه سأستطيع أن أكمل قصة شبيهي،شبيهي الذي على الورق،المنتظرني على حافة السرير،متى أرتشف فنجان قهوتي؟متى تستمر قصة شبيهي؟شبيهي الذي على الورق،الجالس على السرير.
فاضت القهوة من الإبريق الموضوع فوق النار المنبعثة من وابور الغاز،جهزت قهوتي وملأت فنجاني كله،ملأته بالقهوة الساخنة،وعدت إلى مكتبي ورشفت منه رشفة واحدة ووضعته،وضعته على سطح مكتبي،وأخذت قلمي.
عيني تتفحص جدران غرفتي في شرود،شبيهي ضاق به الجلوس على السرير،أكتب كلمة أو كلمتين أو ثلاث،أحاول أن أسير بأحداث القصة إلى الأمام،لا يعجبني ما أضفت من كلمات،أمحي الكلمات المضافة بسرعة،وأفكر في كلمات أخرى،أكتب إستيقظ شبيهي،شبيهي ٱستيقظ،عندما ٱستيقظ تذكر أن اليوم يوم عطلة فنام،هذا غير صحيح،عندما ٱستيقظ كانت الشمس المشرقة قد داعبت غرفته بلطف ،فنهض مبشورا ،سعيدا،لا يريد أن يضيع أي دقيقة،أي ثانية من هذا اليوم الجميل.جميل جدا،هكذا تكون البداية،يستيقظ شبيهي نشيطا،سعيدا،فرحا باليوم الجديد،يفطر أولا، ثم يرتدي ملابسه،ويذهب لزيارة صديقه عدنان،من عدنان هذا؟
يرتدي ملابسه و يذهب لزيارة أهله بالقرية،أهله المشتاق إليهم كثيرا،المشتاق إليهم،يذهب إليهم مشتاقا،مشتاقا يذهب إليهم،يذهب لزيارة أمه وأبيه،وأخته وأخيه،المشتاق إليهم،،فالمشتاق لا يخصه سوى النظر في وجه أهله والذهاب إليهم،لذلك فهو يذهب لزيارة أهله بالقرية.
شفت قليلا من القهوة،القهوة التي صببتها في الفنجان قبل قليل،القهوة التي صببتها أصبحت دافئة،وأنا لا أحبها إلا ساخنة،محرقة،متمنعة على شفتي،متدللة،تتطلب الصبرو المهارة في الرشف كي لا تحرق شفتي،يجب أن أصب الفنجان في الإبريق و أملأ فنجانا آخر،يتمنع ويتدلل ولا يحرقني في شفتي،الأمر يتطلب مهارة في الرشف ليس إلا.
رشفت قليلا من القهوة وعدت إلى الكتابة من جديد،أين وصل شبيهي؟آه سيذهب لزيارة أهله.
الجو جميل بالخارج،شمس دافئة،ونسيم عليل،ونشاط يسري بالعروق.لم يزر أهله منذ شهرين،شهرين متتابعين لم يطل بوجهه عليهم،منذ عين مدرسا بهاته القرية النائية ،لم يطل عليهم ولا مرة واحدة.ٱنشغل بالبحث عن مسكن،وترتيب أموره،وتعويد نفسه على العيش بهاته القرية،والتعرف على أهلها البسطاء،الظرفاء،لم يضايقه غير هذا المدير الذي يستفرد بالمدرسة،يريد أن يكون الكل في الكل،يتدخل في شؤون بعيدة عنه،متطفل مكروه هذا المدير،يضايق شبيهي ويخنق أنفاسه،يريد أن يتحكم فيه كباقي زملائه،لكن هيهات،شبيهي يابس العود،صلب القناة،قوي المراس،متين العرى،لا يتدلل لبغي البغاة.لحظة ،أين سمعت هذا الوصف من قبل؟أين؟آه إنه مقطع من بيت شعري لم أعد أذكر صاحبه،لا يهم ،المهم أن شبيهي لم يرضخ للمدير،وكاد الصراع ينتهي على شر،لولا مؤازرة الزملاء له،وتلطيف الجو بينه وبين سيادة المدير،أقصد سعادة المدير،المدير.
تابع شبيهي سيره بين الحقول مستمتعا بالجو الجميل،ناقلا بصره بين المشاتل،والأشجار المثمرة،وروعة البساتين،والأزهار الخلابة،مستمتعا بكل لحظة،بكل نسمة،بكل عطر،بكل نظرة،بكل خطوة،بكل شيء،وفجأة ظهر له من بين الأشجار شيطان صغير،أقصد طفل صغير،يتدلى من أحد الأغصان،وينظر إليه في حذر،طفل أصلع ليس له قرون كما الشياطين ،الشياطين وحدهم لهم قرون،كذلك بعض الحيوانات،والطفل الذي رآه ليس حيوانا ولا شيطانا،لكن أفعاله تفوق أفعال الشياطين،الطفل الذي رآه تلميذ مشاغب يدرس عنده ،الطفل الذي رآه ليس كباقي الأطفال،الطفل الذي رآه مجازا ينسب إلى الأطفال،الطفل الذي رآه تركيبة وجهه غريبة،الطفل الذي رآه رأسه مفطح،يتصدره أنف معقوف قليلا،يسيل منه المخاط بغزارة،وتحته مباشرة ـ تحت الأنف ـ هناك شفتان غليظتان،منتصبتان كجبلين عظيمين،وفوقه مباشرة ـ فوق الأنف ـ هناك عينان خبيثتان ،تركن براءة الأطفال جانبا،وتركل دهشتهم اللذيذة ركلة قوية،الطفل الذي رآه ـ الطفل الأصلع ـ كان يرميه بالطبشور حين يستدير إلى السبورة ليخط شيئا،ومع ذلك لم يكن يغضب منه بل كان يواجه التلاميذ ويقول لهم،أن من فعل هذا المنكر سينبت الشيب برأسه،ويصبح عجوزا أشمطا،لا يستطيع اللعب مثلهم،لأن شعره الآن ملطخ بالطبشور،شعره أصبح أبيضا كالثلج ،ولأن الطفل أصلع تماما،فإنه أخذ يمسح رأسه خفية،وحده يفعل ذلك،فيبتسم شبيهي.
توجه نحوه،وتكسر سن قلمي،فتوقفت عن الكتابة رغما عني،دائما يتكسر سن قلمي عندما أبدأ الحديث عن هذا الطفل في قصصي،يتكسر وأتوقف عن الكتابة لحظة قصيرة،أسترجع فيها ذكريات الطفولة البريئة،الخبيثة في بعض الأحيان،الحزينة أحيانا أخرى،أنظر إليها من جميع الزوايا،فتتعدد صور طفولتي لحد التناقض،تتعدد في ذاكرتي، وتتراكم،وتتزاحم،وتتصارع لتخرج صورة واحدة،تصور جانبا واحدا من طفولة متعددة الصورثم أعود للكتابة مرة أخرى.أبري القلم بالمبراة وأعود للكتابة،آخذ المبراة من درج المكتب وأبري القلم،درج مكتبي مليء بأشياء عديدة لا آخذ منها إلا المبراة لأبري القلم ثم أعود للكتابة،لكنني الآن سأحطم هذه العادة،سأسحقها،سأرتشف قهوتي أولا ثم أعود للكتابة،قهوتي التي أحبها ساخنة،متمنعة على شفتي لابد أنها الآن قد أصبحت باردة،لذلك يجب علي أن أملأ فنجانا آخر،سأرتشف القهوة ساخنة،سأفرغ الفنجان كله بجوفي كي لا تبرد قهوتي وبعدها أعود إلى الكتابة.متى أعود إلى الكتابة؟أعود إلى الكتابة حينما أرتشف فنجان قهوتي كله رشفة واحدة.متى أتم كتابة قصتي؟أتمها حينما أرتشف فنجان قهوتي.متى تقول؟حينما أرتشف قهوتي.الجواب صحيح،حسن جدا،هديتك العودة إلى الكتابة
وتوجه شبيهي نحو الطفل الأصلع المتشبث بغصن الشجرة،وأشار إليه أن ينزل فنزل بٱرتباك ،وأخذ ينظر إليه متوجسا،حاميا وجهه بكلتي يديه،عضلات وجهه متقلصة،ويديه وفريصتيه وساقيه كلها متقلصة،ورفع شبيهي يده إلى أعلى،وربت على رأسه بلطف مطمئنا إياه،وسأله عن سبب وجوده بهذا المكان،فأشار الأصلع إلى بيت قريب مكسور الباب لكنه مازال يفي بالغرض،وقال أن ذلك بيته،ونظر إلى الشجرة وقال أنها ملعبه،فٱبتسم شبيهي ،وٱبتسم الأصلع،وٱلتمعت أسنان شبيهي ،وبرقت صلعة الصغير،وسأله شبيهي عن مكان والديه،فأخبره الصغيرأنهما يعملان في الحقل،وقريبا سيلحق بهماليساعدهما ،وربما يترك الدراسة
فتجهم وجه شبيهي وندت عنه تنهيدة طويلة وقال له:حاول أن تتابع دراستك.هذا كل ماقال له،ثم أشار إلى الشجرة وحذره من مغبة السقوط منها،وعندما كان ذاهبا سأله عن أقرب طريق إلى محطة القطار،فأراه الطريق في حماس،فشكره شبيهي وتوجه إلى المحطة،شكره بابتسامة لطيفة برقت لها أسنانه اللؤلؤية،وودعه الطفل الأصلع ملوحا بيده ولم تبرق صلعته الملساء لأن الشجرة ظللت رأسه خفية.
وأكمل شبيهي طريقه،مستمتعا بالجو الجميل،ومداعبة النسيم العليل.صور الماضي تتلاطم في رأسه،وخضرة الحقول المحيطة به تزرع قلبه بالنشوة،والشوق إلى أهله يسرع خطاه.إخترق بعض الحقول،وصعد إحدى الروابي،فظهرت أمامه سكة الحديد،سار بمحاداتها قليلا إلى أن وصل إلى المحطة،فتوجه إلى شباك التذاكر،وٱشترى تذكرة،وماهي إلا دقائق حتى وصل القطار،فركبه وٱتخذ مقعدا قرب النافذة،وأخذ يشغل وقته بالتفرس في وجوه المسافرين،وبعد لحظات إنطلق القطار فتنهد في إرتياح و....رن جرس الباب ،فتوقفت عن الكتابة،وذهبت لأفتح الباب،وظل شبيهي جالسا على مقعده في القطار،هو يجلس وأنا أنهض من مقعدي،هو يخرج لزيارة أهله ،وأنا أظل في البيت بين أربعة جدران.ما هذا الشبيه الذي يخالفني في كل شيء؟..وفتحت الباب فوجدت عائلتي أمامي تنظر إلي مبتسمة،عائلتي الساكنة بعيدا عني،الساكنة بالقرية النائية،وجدت أبي وأمي وأخي وأختي،وجدت عائلتي.أسعدتني المفاجأة،فٱحتضنتهم بين ذراعي،وأدخلتهم وأنا أتكلم دون توقف،أدخلتهم وتركت شبيهي راكبا القطار،تركته ذاهبا إلى أهله،تركته وأنا أعلم أنه سيصل إلى أهله،طال الوقت أم قصر.حتما سيصل....